منذ أن قام السيسي بانقلابه على المسار الديمقراطي في الثالث من يوليو 2013، نلاحظ، بما لا يدع مجالًا للشك، أن كمّ القتل وإهدار دماء المصريين لم يسبق له مثيل في كل العصور التي حكمها العسكر منذ العام 1952، بحجج واهية وأسباب مُختَلقة، وأصبحت كرامة المصري في مهب الريح، ولم يجد ما يحنو عليه كما، ادعى بيان الانقلاب الأول، بل تم استخدام كل أساليب القسوة والعنف والقتل لكل من يعارض السيسي ونظامه، مستخدمًا الآلة الإعلامية الجهنمية التي تُشيطن الخصم والمخالف للنظام، وتقلب الحقائق وتزوّر الواقع.
ولم يجد السيسي أدني معارضة حينما هيأ الأجواء في السادس والعشرين من يوليو من العام 2013 طالبًا من المصريين تفويضًا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، كما ادعى، ولكن بملاحظة وتتبع كمّ القتل الذي مارسته أجهزة السيسي من جيش وشرطة وقضاء، الذي من المفترض أنها تحمي المواطن وتدافع عنه، نجد أن الدم المصري أصبح رخيصًا بداية من أحداث الحرس الجمهوري، مرورًا بفض رابعة والنهضة الذي راح ضحيتهم الآلاف، وأحداث الاسكندرية والسويس والاسماعلية وبورسعيد و6 أكتوبر، وغيرهم من محافظات مصر الأخرى، وصولًا إلى تهجير وقتل أهل سيناء، وتفريغ أراضيهم وهدم بيوتهم، وقتل الشباب في أماكن مختلفة بدم بارد، وإخفائهم قسريًا، وتلفيق التهم لهم جزافًا، وإصدار مئات الأحكام من الإعدام والمؤبد على كل من يعارضه أو يخالفه الرأي.
ومن أنواع القتل الذي يمارسه السيسي، أيضًا، في حق المصريين البسطاء إنهاك الاقتصاد، وتجويع ملايين الأسر الفقيرة التي لا تجد قوت يومها، وغياب الرعاية الصحية لعموم المصريين، ثم يدّعي في زيارته الأخيرة لفرنسا أنه يهتم بالصحة والتعليم! ناهيكم عن القتل البطيء للإهمال الطبي داخل السجون، وعدم توفير الرعاية الصحية للمسجونين سياسيًا، مما أدى إلى موت العشرات، وكان آخرهم الأستاذ محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، الرجل الذي قضى نحبه داخل محبسه، وقد قارب التسعين من عمره!
إن السياسة التي ينتهجها السيسي في التعامل مع خصومه سياسية فاشية ديكتاتورية، غير شريفة، يستخدم فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في إنهاك خصومه، وقتلهم وإبعادهم من المشهد السياسي برمته، وهذا بطبيعة الحال، يؤدي إلى حالة من حالات التكلس السياسي، وضمور الحياة السياسية والحزبية في مصر، بما يسمح بتبني البعض لأعمال العنف، لأنهم يشعرون أن المسار السياسي لم يعد يجدي في التغيير، أو التعبير عن الرأي بشكل سلمي.
دعاوى السيسي الزائفة
في زيارة السيسي الأخيرة إلى فرنسا قال العديد من العبارات الزائفة التي تخالف الواقع والحقيقة منها:
- إننا في مصر حريصون على حقوق الإنسان، ولكن مع الوضع فى الاعتبار أننا نعيش فى منطقة مضطربة جدًا، وكاد هذا الاضطراب يُنهى هذه المنطقة ويحوّلها لبؤرة لتصدير الإرهاب للعالم كله، بما فى ذلك أوروبا!
- حرص مصر على إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وقال: هذه إرادة سياسية، والشعب المصرى لن يقبل بأن يكون هناك أى شكل من أشكال الممارسة العنيفة أو الديكتاتورية، أو عدم احترام حقوق الإنسان!
- أنا مسئول عن 105 ملايين مواطن مصرى فى هذه الظروف المضطربة، مع وجود الفكر المتطرف الذي لا يقبل أن يتعايش مع الآخرين بسلام، ونحن لا نمارس التعذيب، وعلى الجميع أن يتحسّب من المعلومات التى تنشر بواسطة منظمات حقوقية!
- مصر لديها أكثر من 40 ألف منظمة تعمل فى خدمة المجتمع المصرى، وتعمل بسلام، وتقوم بخدمة جليلة ورائعة فى تنمية المجتمع وتطويره، ومن المهم أنكم تبقون حذرين وانتو بتتعاملوا مع كل المعلومات التى تخرج، لأنه فيه تنظيم مناوئ لاستقرار مصر!
- لا يوجد تعذيب في مصر.. ولماذا لا توجه أسئلة عن حقوق الشهداء والمصابين وحق الإنسان فى التعليم والصحة؟!
- اللى بيتكلم عن حقوق الإنسان ييجى يتعامل مع الشعب المصرى فى الشارع، ويتكلم مع المواطن، ويسأله هل يرى أى شكل من أشكال العنف أو القسوة فى التعامل!
هذا الكلام والزيف الذي يتلفظ به في كل زياراته الخارجية ما هو إلا محاولة منه لتجميل وجهه وأفعاله التي خرجت عن كل قانون بشري، ويعتبر نموذجًا صريحًا للتدليس، وقلب الحقائق ومخالفتها للواقع الذي يعيشه المصريون.
هل هناك من مخرج؟
على الرغم من كل المعاناة التي يعيشها المصريون في ظل الحكم العسكري لعقود، إلا أنه لا يزال هناك بقية من أمل في الخلاص من العسكر، وممارساته التي أدت إلى تدهور كل مناحي الحياة في مصر، ولكن ذلك يتطلب العديد من الأمور منها:
أولا: زيادة الوعي لدى المصريين بأن العسكر وممارساته خلّفت التخلف في شتى ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، وأن السعي لاكتساب الحرية يجب أن يكوم من الأولويات، ولابد أن يبحث عنها الإنسان، وهذه الحرية تنتزع لا تُوهب.
ثانيًا: على النخب السياسية والثقافية بكل أطيافها وأشكالها أن تتوحّد فيما بينها على أجندة واضحة، يشعر من خلالها المواطن البسيط أنهم حريصون على تحسين أوضاعه المعيشية، ورسم مستقبل ينعم فيه المواطن بالحرية والعيش الكريم.
ثالثًا: عدم استعداء مؤسسات الدولة، لأن هذه المؤسسات ملك للشعب وليست ملك للحاكم، وعلى الرغم من الممارسات غير السوية للعديد من المؤسسات مثل: الجيش والشرطة والقضاء، إلا أنه يجب عدم اليأس من إصلاحهم وتوجيه النصح لهم.
رابعًا: نبذ أعمال العنف والتطرف، لأن العسكر يتمنون أن يستخدم خصومهم السلاح، حتى يكون ذلك ذريعة قوية للقضاء عليهم، وسوف يجدون أعوانًا لهم من المجتمع الدولي، الذي يدّعي أنه يواجه الإرهاب في العالم!
وهذا لا يعني الخنوع أو الخضوع لما يمارسه العسكر، ولكن طريق التغيير طويل ويحتاج إلى صبر وطول نفس، وإعداد واستعداد، واستنفاذ كل الوسائل المتاحة.