د. كمال أصلان – الشرق القطرية
عن تميم الداري، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (الدين النصيحة)، قلنا لمن ؟، قال: (لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).
وللنصيحة آداب عامة ينبغي أن يتحلى بها الناصح، منها :
أولًا: أن يكون دافعه في النصيحة محبة الخير لأخيه المسلم، وكراهة أن يصيبه الشر، قال ابن رجب، رحمه الله :
” وأمَّا النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم، ويوقّر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، ويحب ما يصلحهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم”.
ثانيًا: أن يكون مخلصًا فيها، يبتغي بها وجه الله، فلا يريد بها إظهار العلو والارتفاع على أخيه .
ثالثًا: أن تكون تلك النصيحة خالية من الغش والخيانة، قال الشيخ ابن باز، رحمه الله: “النصح هو الإخلاص في الشيء، وعدم الغش والخيانة فيه. فالمسلم لعظم ولايته لأخيه ومحبته لأخيه؛ ينصح له ويوجهه إلى كل ما ينفعه”.
رابعًا: ألا يريد بالنصيحة التعيير والتبكيت، فهدف النصيحة أن يُصحِّح المخطئ خطأه، وأن يعود الشارد إلى الطريق، وليس الهدف منها إبراز حجة المحاجج، ولا إفحام الخصم، ولا إظهار قوَّة الجدل عندك.
خامسًا: أن تكون النصيحة بروح الأخوة والمودة، لا تعنيف فيها ولا تشديد، قال الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125).
سادسًا: أن تكون بعلم وبيان وحجة، قال السعدي رحمه الله: “من الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا”.
سابعًا: أن تكون في السر، فلا يجهر بها أمام الناس إلا للمصلحة الراجحة، قال ابن رجب، رحمه الله: ” كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ، وعظوه سرًا، حتّى قال بعضهم: مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه”.
ثامنًا: أن يختار الناصح أحسن العبارات، ويتلطف بالمنصوح، ويلين له القول .
تاسعًا: كتمان السر، وستر المسلم، وعدم التعرض لعرضه، فالناصح رفيق، شفيق، محب للخير راغب في الستر .
عاشرًا: أن يتحرى ويتثبت قبل النصيحة، ولا يأخذ بالظن، حتى لا يتهم أخاه بما ليس فيه .
الحادي عشر: أن يختار الوقت المناسب للنصيحة، قال ابن مسعود، رضي الله عنه: “إن لهذه القلوب شهوة وإقبالا، وإن لها فترة وإدبارًا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها”.
الثاني عشر: أن يكون الناصح عاملاً بما يأمر الناس به، وتاركًا لما ينهى الناس عنه، قال الله تعالى موبخًا بني إسرائيل على تناقض أقوالهم مع أفعالهم: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (البقرة/44)، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يأمر الناس بالمعروف ولا يأتيه، وينهاهم عن المنكر ويأتيه .
ومن النماذج الرائعة للنصيحة موقف الحسن والحسين، رضي الله عنهما، مع الرجل الكبير؛
فيُروى أن الحسنَ والحسين، رضي الله عنهما، رأَيَا رجلاً كبيرًا في السنِّ يتوضَّأ، وكان لا يُحْسِن الوضوء، فأرادا تعليمَه، فذهبا إليه، فادَّعيا أنَّهما قد اختلفا: أيُّهما حسَنُ الوضوء أكثر مِن أخيه؟ وأرادا مِنه أن يَحكم بينهما، فأمر أحدَهما بالوضوء، ثم أمر الآخَر، ثم قال لهما: أنا الذي لا أعرف الوضوء، فعَلِّماني إيَّاه!
وكما قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم