التعليم عن بعد في زمن كورونا

د. جمال نصار
د. جمال نصار أبريل 9, 2020
محدث 2022/06/02 at 5:14 مساءً

لا شك أن هذه المرحلة التي يمر بها العالم كله، مرحلة عصيبة ولها تداعياتها على كل المستويات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والإنسانية.

فقد أظهر انتشار وباء كورونا طبيعة وسلوكيات الشعوب، ومستوى الدول في التعامل مع الأزمة، بل اكتشفنا بشكل أكبر طبيعة النظام السياسي في العالم، ومدى الاستعداد الحقيقي للكثير من الدول التي كانت تدّعي أنها على مستوى رفيع من الرعاية الصحية، والقدرة العلمية الفائقة، بل وصل الأمر أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكبر الدول في عدد المصابين على مستوى العالم، مع الهيمنة والسيطرة التي تمارسها على معظم دول العالم.

متى بدأ التعليم عن بعد؟

التعليم عن بعد أصبح ضرورة ملحة، وخصوصًا في وقت الأزمات، وانتشار الأوبئة والفيروسات التي تتطلب التباعد الاجتماعي. وهذه الوسيلة في التواصل بدأت منذ فترة طويلة وأخذت أشكالًا مختلفة.

ففي عام 1892م تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة، وبذلك صارت الجامعة الأولى على مستوى العالم التي تعتمد التعليم عن بعد، ولقد أتاح التعليم عن بعد الفرص للطلاب الكبار، كما أنه أعطى للطلاب الإحساس بالمسؤولية تجاه تعلمهم، فقد كان الطلاب يرسلون واجباتهم والوظائف بالبريد ثم يصححها المعلمون، ويعيدون إرسالها بالدرجات إلى الطلاب، وكان التحكم بنظام الفحص يتم عن بعد.

وفي العام 1970 بدأت الجامعة المفتوحة في استخدام التقنية مثل التلفاز، والراديو، وأشرطة الفيديو في هيكلة التعلم عن بعد، وفي العقدين الأخيرين تأسست أربع جامعات في أوروبا، وأكثر من عشرين حول العالم تطبق تقنية التعليم عن بعد، وتعتبر جامعة (NYSES)  أول جامعة أمريكية مفتوحة تأسست تلبية لرغبات المتعلمين في جعل التعليم العالي متاحًا لهم عبر الطرق غير التقليدية.

وفي عام 1999 كانت التربويات التلفازية، حيث يتم تقديم الدورات عن طريق التلفاز فيما عُرف بـ”tele courses”  من أنجح الوسائل التي استخدمتها الجامعات البريطانية المفتوحة، وخاصة تلك التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم: (The United States Open University).

وفي عام 1956 بشيكاغو عمدت كليات المجتمع إلى تقديم خدمة التليفزيون في التدريس عن طريق التنسيق بين عدد من قنوات الكابل، وعبر القنوات التعليمية احترامًا لقانون لجنة الاتصالات الاتحادية.

وفي أواخر عام 1980 حقق التعليم عن بُعد تقدمًا حيث وظّف التكنولوجيا المضغوطة لأفلام الفيديو التعليمية، فصار يتكون من ألياف ضوئية باتجاهين الفيديو والصوت، وبذلك استطاعت التكنولوجيا الجديدة أن تختصر المسافات الكبيرة بين المتعلمين والمعلمين وأصبح الطرفان يسمع بعضهما البعض.

ومع تقدم التكنولوجيا والاتصالات الإلكترونية، تحول التعليم عن بعد إلى تعليم باستخدام الحاسوب، والإنترنت، والوسائط المتعددة لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية، وهذا كله شكّل الثورة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

استعداد الدول للتعليم عن بعد

مع  تطور فيروس كورونا، وانتشاره بشكل واسع على مستوى العالم، وتحوله إلى شبح يلوح في الأفق، دفع كل الدول إلى اللجوء مضطرة إلى استخدام وسيلة التعليم عن بعد لتحقيق التباعد الاجتماعي، مع تتفاوت الإمكانيات التقنية والمعلوماتية من دولة لأخرى، حسب الاستعداد لاستخدام هذه الوسيلة، وتدريب المعلمين عليها، وطبيعة الطلاب وسهولة استخدامهم لهذه الوسيلة، والتعوّد عليها.

إنه عصر التحول الرقمي في التعليم رغمًا عن الجميع، لاستكمال العملية التعليمية، وعدم توقفها، فهذا الفيروس “كورونا المستجد” أو “كوفيد-19″، وضع بلايين البشر حول العالم وجهًا لوجه أمام منظومة “التعليم عن بعد”.

وجانب من هذه البلايين وجد نفسه مستعدًا شاهرًا أدواته المجرَّبة، والموثقة في وجه قرار التعطيل، وآخرون يصارعون، ويسارعون لعلهم يلحقوا بعضًا مما فاتهم.

وكما تقول الإحصائيات الواردة عن منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو)؛ بأن عدد الطلاب الذين اضطرتهم “كورونا” إلى الانقطاع عن المدارس مليار و344 مليون، و914 ألف طالب وطالبة في 138 دولة حول العالم بنسبة 82.2 ٪ من الطلاب المقيدين في مدارس، منهم نحو 83 مليون طالب مدرسي في الدول العربية (بالإضافة إلى أعداد المتسربين من التعليم والمتوقفين عنه بفعل الحروب والصراعات الدائرة رحاها).

وفي الدول العربية تتراوح وتختلف الطريقة المُتّبعة في التعليم عن بعد، حسب إمكانيات كل دولة على حدة، وفي داخل كل دولة، حيث فجوات رقمية قومية ووطنية، وجاهزية بنيتها التقنية التحتية، نظرًا لافتقار الكثير من هذه الدول للمستلزمات، والتجهيزات المتعلقة بالتعليم عن بعد، مع عدم توفر تجارب مسبقة لقياس مدى نجاحها في حال تطبيقها، كإجراء احترازي لمواجهة فيروس كورونا.

وتظل هناك عقبات، أبرزها بطء الإنترنت، إذ تحتل سوريا، على سبيل المثال، المرتبة رقم 195 عالميًا في سرعة الإنترنت، بل هناك الكثير من القرى والنجوع في بعض الدول الفقيرة لا تتوفر لها خدمة الإنترنت.

ماذا لو لم يكن هناك انترنت؟!

كانت الحياة مستمرة بدون الإنترنت قبل نحو 25 عامًا، وتدريجيًا اقتحم حياتنا، وسيطر عليها بشكل كامل، حتى أصبح الاستغناء عنه أمرًا مستحيلًا، لكن خطر حدوث عطل شامل يتسبب في توقف الانترنت يظل أمرًا واردًا، سواء على شكل خلل فني، أو التوقيف بشكل مُتعمد.

لقد أصبح الإنترنت جزءً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، ولا يمكن الاستغناء عنه بأي صورة من الصور سواء علي الصعيد الشخصي، أو المهني بكل أشكاله، وخصوصًا في مجال التعليم، الذي أصبح واجب الوقت، لاستكمال مسيرة التعليم لحين زوال انتشار هذا الفيروس الخطير.

ولعل الوسيلة الأقرب للتطبيق في مجال التعليم عن بعد، مع غياب الانترنت، تكون البرامج التعليمية عبر شاشات التلفاز، وخصوصًا إذا طالت المدة، لا قدر الله، التي يمتنع فيها التواصل الاجتماعي، والتعليمي بين الطلاب.

لذا يعتبر التليفزيون وسيلة مُعينة للمدرس في إيصال المعلومات وإيضاحها للدارسين، وقد دعم دور التليفزيون في مجال التعليم والتعلم ما توصلت إليه تقنيات الاتصال من تطور ملحوظ ، كما يمكن أن يساهم جهاز التليفزيون والفيديو في تحسين أداء المُعلم.

أرجو من الله العلي القدير أن يرفع عنّا الوباء والبلاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

شارك هذا المقال