مقدمة:
لقد اهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بالجانب الأخلاق، فنجد أن رسالة الإسلام تقوم على أساس الأخلاق، والهدف من بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يتمم مكارم الأخلاق، وينشر مبادئ الحق والعدل والخير بين الناس؛ حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، ويلخص الرسول الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: (بعثت لأتمم حُسن الأخلاق)[1]. وتتميم الأخلاق يعني ناحيتين: الحضّ عليها، ثم الارتفاع بها، وربطها بالمثل الأعلى؛ حتى تكون خالصة لله لا تشوبها شائبة من رياء أو مباهاة أو سمعة. كما أثنى القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في أبلغ وأرفع وصف من قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[2].
وإذا عدنا إلى ما قبل الإسلام؛ سنجد أن الأخلاق كانت في نظر الفلاسفة اليونان وغيرهم، آراء نظرية، بمعنى، أنها كانت في حيز الحوارات، والنقد، بين الخطأ والصواب، ومعرفة الخير، من الشر.
وفي الجزيرة العربية لم تكن الأخلاق هي الحاكمة، وإنما كان لكل قبيلة شيخها الذي هو بمثابة الحاكم، والأب والقائد الحاني على أفراد قبيلته، يسوسها ويرعاها، ويدافع عنها، ويجلب لها ما ينفعها، ويجنبها ما يضرها.
وكان في العرب عادات سيئة كشرب الخمر ووأد البنات، ولعب الميسر، ولكن كان إلى جانب هذه العادات الرديئة، عادات كريمة، كالصدق والشجاعة وحماية الجار، وإكرام الضيف والكرم والشرف والدفاع عن العرض وإغاثة الملهوف، فلما جاء الإسلام، أبطل العادات الذميمة، وعزّز العادات الكريمة.
والأخلاق في الإسلام، علم ومعرفة وتطبيق وثواب وعقاب في الدنيا وفي الآخرة يوم القيامة قال تعالى (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِى نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جحِيم)[3]، وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[4]، والسبب في اهتمام الإسلام بالأخلاق هذا الاهتمام كله، هو أن الأخلاق الإسلامية، محور الحياة وعمودها الفقري، وهي أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المادية والمعنوية.
وقد اهتم مفكرو الإسلام بالجانب الأخلاقي؛ لما له من أهمية كبيرة في بناء الأمم ونهضتها، فتحدّث ابن مسكويه (421ه)[5]، وأبو الحسن الماوردي (450ه)[6]، والراغب الأصفهاني (502ه)[7]، والإمام الغزالي المتوفى (505ه)[8]، وابن القيم (756ه)[9]، وغيرهم كثير، ومن هؤلاء الأعلام المُبرّزين الإمام القرضاوي الذي أولى للجانب الأخلاقي أهمية كبيرة في كل مؤلفاته ومحاضراته ومقالاته، حتى أنه جعلها من أعمدة الإسلام، وجعلها من خصائصه العامة[10]، بل أكثر من ذلك أنه جعل الأخلاق من صميم الجهاد والأساس الذي يقوم عليه[11]، وربط الاقتصاد الإسلامي بالقيم والأخلاق[12]، بل جعل المدخل الطبيعي لمعرفة الإسلام من خلال الأخلاق[13]، وربط الإيمان والحياة بالأخلاق[14] فحياة الإنسان كلها تدور في إطار الوازع الأخلاقي، ولم يخلو مؤلف من مؤلفاته، أو كتاب من كتبه إلا وأشار إلى دور الجانب الأخلاقي في ذلك.
وفي هذه الورقة البحثية أحاول جاهدًا إلقاء الضوء على جهود الإمام الشيخ القرضاوي في هذا المجال، حيث أكد أن الأخلاق من خصائص الإسلام، وأنها تسري في كيان الإسلام كله، وفي تعاليمه كلها، حتى في العقائد والعبادات والمعاملات، وتدخل في السياسة والاقتصاد، والسلم والحرب. وتُقسّم الورقة إلى أربع مباحث هي:
المبحث الأول: مكانة الأخلاق في الإسلام
المبحث الثاني: مكانة الأخلاق عند الفقهاء
المبحث الثالث: اهتمام الإمام القرضاوي بالجانب الأخلاقي
المبحث الرابع: الباعث الأخلاقي في فقه الإمام القرضاوي
المبحث الأول: مكانة الأخلاق في الإسلام
الإسلام في جوهره رسالة أخلاقية، بكل ما تحمله هذه الكلمة من عمق وشمول، فالأخلاق خصيصة من خصائصه العامة، ولذلك جعل الله الأخلاق مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، فيعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم، يقول تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُون مِنْ قَبْلكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)[15]، ويكافئ الأبرار والصالحين بالجنة، ويعاقب الفجار والأشرار بالنار يوم القيامة، يقول عزوجل: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)[16].
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على حُسن الخلق، فعن أبي الدراداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق)، وعن عبد الله بن عمرو قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: (خياركم أحسنكم أخلاقًا)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟)، فسكت القوم فأعادها مرتين أو ثلاثًا. قال القوم: نعم يارسول الله، قال: (أحسنكم خُلقًا)[17].
وكان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثلون الأخلاق الحميدة منذ الأيام الأولى لدخولهم تحت راية الإسلام، فلم تغب عن عقولهم سمات الإسلام الخلقية التي أودعها الله تعالى عقائد هذا الدين، وشرائعه ومعاملاته، بل إنهم كانوا يدركون نعمة الله عليهم فيما تضمنه هذا الدين من مكارم الأخلاق، وأبرز مثال على ذلك: حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قام يشرح للنجاشي ملك الحبشة خصائص هذا الدين، الذي من أجله حاربهم مشركو مكة حتى اضطروهم إلى ترك ديارهم وأوطانهم: “كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة…)[18] إلى آخر حديثه الذي وضّح فيه شعائر الإسلام.
وكان هذا الطابع الخلقي بارزًا كذلك في وصايا الإسلام العامة بمكارم الأخلاق، ولذلك كان الناس حين تعرض عليهم هذه الوصايا لا يملكون أنفسهم من الاعتراف بسمو دعوته، وعلو درجته. يتضح ذلك فيما قاله أكثم بن صيفي[19]، حين سمع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[20]، قال لقومه محرضًا على دخول الإسلام: “إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهي عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا ولا تكونوا فيه أذنابًا”[21].
لذلك كان مقصود الرسالة المحمدية، “تنمية الإحساس الأخلاقي في بني البشر، وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم؛ حتى يسعوا إليها على بصيرة، ومن هنا كان التأكيد على الثمرة الأخلاقية لكثير من العبادات بحيث تفارق كونها طقوسًا وشعائر مبهمة، وتعمل على تحرير الطاقات الأخلاقية الكامنة في الكينونة الإنسانية، فيترقى هذا الكائن في مدارج الكمال الإنساني، ويصبح وجوده ذا مغزى عميق، تتجلى من خلاله القدرة الإلهية في صياغة المجتمع الفاضل والحياة الكريمة لبني الإنسان، ومن هنا نفهم قوله تعالى: (وأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ)[22] إلى غير ذلك من الآيات التي تؤكد على المغزى الأخلاقي والروحي للعبادات والشعائر[23].
والإسلام لم يحصر علمنا بالأخلاق على العقل أو المشيئة أو التجارب أو العلوم الإنسانية فقط، حتى تتغير أحكامنا الخلقية بتغير هذه الوسائل الأربع ولا يقر لها قرارًا أبدًا، بل الإسلام يمنحنا مرجعًا ثابت الأركان، يزودنا بالتعاليم الخلقية في كل زمان ومكان، ألا وذلك المرجع هو كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذه التعاليم ترشدنا إلى الطريق الأقوم، وتضيء لنا الخطة المستقيمة في كل شأن من شؤون الحياة من أتفه المسائل البيتية إلى المسائل السياسية الدولية العظيمة ومشاكلها الخطيرة، ونجد فيها انطباقًا متسعًا لأصول الأخلاق على شؤون الحياة المختلفة، لا نحتاج بعده في مرحلة من مراحل الحياة إلى وسيلة للعلم أخرى[24].
والقرآن الكريم زاخر بالنماذج العليا والرفيعة التي تمثل قيم الإسلام وأخلاقه[25]، وتحثه على التخلق بالأخلاق الفاضلة، والتخلي عن الأخلاق الذميمة، ويمكن أن نُرجع اهتمام الإسلام بالأخلاق إلى أن “الأخلاق أمر لابد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المادية والمعنوية … ولنتصور حياة مجتمع ماذا يحدث فيها لو أُهملت المبادئ الأخلاقية، وسادت فيها الخيانة والفسق، والكذب، والغش، والسرقة، وسفك الدماء، والتعدي على الحرمات والحقوق، وزالت كل المعاني الإنسانية في علاقات الناس من المحبة والمودة والنزاهة والتعاون والتراحم والإخلاص؛ فهل من الممكن أن تدوم الحياة الاجتماعية في هذه الحالة؟!”[26]
وعلى هذا نجد أن الأخلاق تسري في كيان الإسلام كله، وفي تعاليمه كلها، في العقائد والعبادات والمعاملات، وتدخل في السياسة والاقتصاد، وفي جميع مناحي الحياة[27]
ولم تدع الأخلاق في الإسلام جانبًا من جوانب الحياة؛ إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، على مستوى الفرد، والأسرة، والمجتمع، حتى ما يتعلق بغير العقلاء من الحيوانات والطير، وما يتعلق بالكون بشكل عام.
- ما يتعلق بالفرد في كافة نواحيه:
جسمًا له ضروراته وحاجاته، في قوله تعالى: (وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ)[28]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لنفسك عليك حقًا)[29]
وعقلاً له مواهبه وآفاقه، يقول عز وجل: (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ)[30]، ويقول: (قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)[31]
ونفسًا لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها، يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)[32]
- وما يتعلق بالأسرة:
كالعلاقة بين الزوجين، يقول عز وجل: (وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[33].
والعلاقة بين الأبوين والأولاد، يقول تعالى: (ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحْسَانًا)[34]، ويقول عز وجل: (ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإيَّاكُمْ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)[35].
والعلاقة بين الأقارب والأرحام، يقول تعالى: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِي القُرْبَى)[36]، ويقول تبارك وتعالى: (وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ)[37].
ج _ وما يتعلق بالمجتمع:
في آدابه ومجالاته، مثل قوله تعالى: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[38]
وفي اقتصاده ومعاملاته، يقول عز وجل: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وإذَا كَالُوهُمْ أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)[39]، وقوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ولْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ولا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ)[40].
وفي سياسته وحكمه، يقول تعالى: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[41].
د- وما يتعلق بغير العقلاء من الحيوان والطير:
كما ورد في الحديث الشريف: (في كل كبد رطبة أجر)[42]، وفي الحديث الآخر: (عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار)[43].
ه- وما يتعلق بالكون الكبير:
من حيث إنه مجال التأمل والاعتبار والنظر والتفكير والاستدلال بما فيه من إبداع وإتقان، على وجوده ومبدعه، وقدرته، وعلى علمه وحكمته، كما قال تعالى: (وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[44]، وقوله عز وجل: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ)[45].
وقبل ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم سبحانه وتعالى، الذي لا يعبد غيره ولا يستعان سواه: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[46]، وبهذا يتجلى شمول الأخلاق الإسلامية، من حيث موضوعها ومحتواها[47].
هذه هي نظرة الإسلام الجامعة المحيطة المستوعبة للأخلاق، لأنها ليست نظرية بشر، بل وحي من أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، لهذا أودع الله في هذا الدين ما يشبع الإنسان ويقنعه، ويلائم كل أطواره، من الخير والسعادة والمنفعة، حتى الذي يؤمن بأهمية اللذة الحسية يستطيع أن يجدها فيما أعد الله للمؤمنين في الجنة من نعيم مادي، ومتاع حسي، يقول تعالى: (وفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وتَلَذُّ الأَعْيُنُ)[48].
المبحث الثاني: مكانة الأخلاق عند الفقهاء
المتأمل في الفقه الإسلامي يجد أنه يقوم على أساس الشريعة الإسلامية، ومن ثمَّ فله صبغة دينية تدعو إلى احترامه وعدم مخالفته؛ فهو ينظم المعاملات والعبادات، ومن هنا كان نظامًا للدين والدنيا. وجانب الأخلاق مُراعى فيه تمام الرعاية؛ حيث إن صناعة الفقه – كما يقول ابن رشد – “تقتضي بالذات الفضيلة العملية”[49].
وكُتب الفقه تحوي بين جنباتها العديد من البواعث الأخلاقية، وما قامت الشريعة إلا من أجل هذا الباعث، ومن الأمثلة على ذلك قاعدة: “لا ضرر ولا ضرار”[50]، وهي قاعدة مشهورة في الشريعة الإسلامية يُقصد بها مراعاة الأخلاق في التعامل مع الآخرين؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بهم. وكذلك “المصالح المرسلة”، حيث استطاع الفقهاء من خلالها مواكبة الأحداث والمتغيرات من خلال استنباطهم وقياسهم على الأصول الشرعية الثابتة.
أولا: قاعدة “لاضرر وضرار”:
تشتمل هذه القاعدة على حكمين:
الأول: لا يجوز الإضرار ابتداءً؛ أي لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخر في نفسه أو في ماله؛ لأن الضرر ظلم، والظلم محرم في جميع الشرائع. والضرر الممنوع هو الضرر الفاحش مطلقًا؛ أي حتى لو نشأ من قيام الإنسان بالأفعال المباحة، كمن يحفر في داره بئرًا، أو بالوعة ملاصقة لجدار جاره، أو يبني جدارًا يمنع النور عن جاره. أما الضرر غير الفاحش إذا نشأ من مشروع فليس بممنوع، كما لو بنى شخص جدارًا في داره سد نافذة من نوافذ غرفة جاره.
الثاني: لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر، وهذا معنى “ولا ضرار”؛ إذ على المتضرر أن يراجع القضاء لتعويض ضرره، وعلى هذا من أتلف مال غيره لا يجوز للغير أن يتلف مال المُتلِف، بل عليه مراجعة المحكمة لتعويضه عن الضرر[51].
وعلى ذلك نجد أن القصد الأصلي للشريعة الإسلامية “تحقيق مصالح العباد، وحفظ هذه المصالح، ودفع الضرر عنهم، إلا أن هذه المصالح ليست هي ما يراه الإنسان مصلحة له ونفعًا حسب هواه، .. فالإنسان قد يرى – مدفوعًا بهواه- النافع ضارًا، والضار نافعًا، متأثرًا بشهواته النفسية وتطلعه واستشرافه إلى النفع العاجل اليسير، دون الالتفات إلى الضرر الآجل الجسيم، فقد يرى أن من النفع له أكل مال الناس بالباطل بالأساليب الخفية الملتوية، أو باحتكار أقواتهم، أو بأخذ الربا ليزيد ماله بهذا الطريق المحرم الخبيث، أو يقعد عن الجهاد ليتمتع بمتع الحياة، وينسى هذا الإنسان أن هذه المنافع صورية لا حقيقية؛ إذ هي في جوهرها ضرر محض في العاجل والآجل[52].
ولا يخفى على أحد أن مقصود هذه القاعدة باعث أخلاقي، فحواه عدم الفساد في الأرض والإضرار بالآخرين.
ثانيًا المصالح المرسلة:
المصلحة المرسلة هي: “التي لم يشرع الشارع حكمًا لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل اعتبار أو دليل إلغاء”[53]، وهذه المصلحة اعتبرها الشارع، وشهدت لها نصوصه، وأخذت من مجموع أدلته… والمصلحة المرسلة شهدت النصوص الكثيرة لجنسها، والأصول الكثيرة إذا اجتمعت على معنى واحد وأفادت فيها القطع، فإن هذا المعنى لا يقل قوة عن المعنى الذي شهد نص واحد لعينه، إذا أريد إرجاع مصلحة جزئية إلى هذا المعنى[54].
ومن الأمثلة التي توضح الباعث الأخلاقي في المصالح المرسلة:
1- هل يجوز في حال الحرب أن نضرب في اتجاه جنودنا الذين أسرهم العدو، واستتر خلفهم ليضربنا ويحتل أرضنا؟ أو أن من الواجب – على عكس ذلك – أن نمسك عن الضرب رعاية للشرع الصريح الذي يمنعنا أن نستبيح دم بريء؟ والله تعالى يقول: (ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ)[55].
يجيب الإمام مالك عن هذا السؤال مرجحًا الأخذ بأخف الضررين، ويعلل لذلك بأننا لو بقينا دون عمل؛ احترامًا لهذا العدد القليل من جنودنا، الذين جعلهم سوء الحظ درعًا للعدو، فإن بقية الجيش – وهي الكثرة الكاثرة منه – قد تتعرض للهلاك، ثم لن ينجو – أيضًا – أسرانا من نفس المصير بعد ذلك. ولا ريب إذن في أن الشرع الإسلامي يقدم دائمًا إنقاذ الجماعة، ومصلحتها المشتركة والدائمة، على حياة الأفراد ومصالحهم العاجلة. ويختم حديثه بقوله: “إننا مع احتياطنا للحفاظ على رجالنا، لا ينبغي أن نوقف الحرب، بل يجب أن نواصلها، ولو أصيبوا من جرائها”[56].
2-ومن ذلك تضمين الصُنَّاع ما يتلف في أيديهم من أموال الناس الذين يستصنعون، فقد قضى الخلفاء الراشدون بتضمينهم، وقال على رضي الله عنه في ذلك: “لا يُصلح الناس إلا ذلك”، ووجه المصلحة في التضمين أن الناس لهم حاجة إلى الصناع، وهم يغيبون عندهم الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط، وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين: إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يهملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الأموال، ويقل الاجترار[57]، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة التضمين، ولا يقال إن هذا نوع من الفساد، وهو تضمين البريء؛ إذا لعله ما أفسد ولا فرط؛ لأنا نقول إذا تقابلت المصلحة والمضرة، فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت، ووقوع التلف من الصناع من غير تسبب ولا تفريط بعيد، وهو من باب ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة[58].
*وعلى ذلك نجد أن المصلحة المرسلة أصل عظيم ومصدر خصب للفقه الإسلامي، وعلى أساسه يمكن لولي الأمر (الحكومة) أن توجد النظم الضرورية للدولة التي تحقق الخير والمصلحة للناس، وإن لم يرد بهذه النظم نص صريح في الشريعة ما دامت لا تخالف ما نطق به الشرع؛ لأن السياسة العادلة وتحقيق العدل والمصلحة يعتبر من الشريعة، لا خارجًا عنها[59].
المبحث الثالث: اهتمام الإمام القرضاوي بالجانب الأخلاقي
يذهب فضيلة العلامة القرضاوي في تعريفه للأخلاق بداية، إلى أن مجتمعنا يعاني من أزمات عديدة، على رأسها أزمتان أساسيتان: الأزمة الأولى؛ هي الأزمة الفكرية، والفكرة هي التي تؤثر في السلوك. فالإنسان لا يستطيع أن يسلك طريقًا إلا إذا كان يعرف أنه يؤدي به إلى وجهته، وإذا كان تصوره خطأ يمكن أن يسير في الاتجاه المضاد.
أما الأزمة الثانية؛ فهي الأزمة الأخلاقية، يقول فضيلته: ونحن أيضًا، نعاني من أزمة أخلاقية ولكن لابد من تصحيح الفكر أولاً، ولذلك كان أول ما نزل من القرآن الكريم هو قول الله تعالى: (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)[60]، والقراءة مفتاح العلم والفكر، ثم بعد ذلك جاء العمل والأخلاق في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ ورَبَّكَ فَكَبِّرْ وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ والرُّجْزَ فَاهْجُرْ ولا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ولِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)[61].
ثم يؤكد فضيلته أن السلوك والأخلاق يأتي بعد تصويب الفكر وتصحيح منهج النظر؛ ويقول: ومن أجل هذا اهتممت بهذا الجانب الأخلاقي، والإسلام رسالة أخلاقية، قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[62]، والأخلاق هي صورة إيمانية إسلامية، ويوضحها قوله سبحانه وتعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ والَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى ورَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ والَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[63]، وهذا يعني أن الإيمان يصور في أخلاق. ومن ذلك أيضًا (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره)[64]، فالإيمان والعقيدة يتمثلان في أخلاقيات.
ويربط الإمام القرضاوي بين تقدم الأمة وبين ارتفاع مستواها في الأخلاق، فكلما ارتفعت في أخلاقها ارتقت وتقدّمت، يقول: “لا نستطيع أن نرتفع بمستوى أمتنا إلا إذا ارتفعنا بمستوى أخلاقها، ما الذي جعل بلدًا مثل اليابان يتقدم في صناعته، ويغزو أسواق العالم، ويكتسح حتى المنتجات الأمريكية والأوروبية؟ إنها مجموعة من الأخلاقيات: الدأب والصبر والعمل وغيرها. والمفروض أننا نحن المسلمين نتعبد بالعمل لكن أحد بلادنا العربية شهد منذ سنوات إحصاء لمتوسط ساعات عمل الفرد، فوجد أنه حوالي نصف ساعة يوميًا! فأين تذهب أوقات الناس؟ وأين تذهب جهودهم كذلك؟ لذلك لابد من الأخلاق[65].
ويرى فضيلته أن الأخلاق جامعة لكل مناحي الحياة وداخلة في تفاصيلها، حيث يقول عنها أنها: “تشمل كل ما يتصل بالحياة الإنسانية، فردية وأسرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، لأن الأخلاق عندنا نحن المسلمين لا تنفصل عن السياسة، والأخلاق لا تنفصل عن الاقتصاد، والأخلاق لا تنفصل عن الحرب”[66].
وفي ثنايا إجابته على سؤال حول صفات الإنسان المسلم الصالح ومقوماته، قال: “الشخصية التي يبنيها الإسلام لها مقومات عدة، مقومات عقائدية، وتعبدية، وعقلية، ونفسية وأخلاقية، لابد من تكامل هذه المقومات بعضها مع بعض حتى تتكامل الشخصية المسلمة، المسلم شخصية متكاملة في تربيتها وتكوينها، تكونت عقليًا بالثقافة جسميًا بالرياضة، روحيًا بالعبادة خلقيًا بالفضيلة، نفسيًا بالأمل والتفاؤل، عقليًا بالتفكر والنظر والتأمل، اجتماعيًا بالخدمة والمشاركة في المجتمع، سياسيًا بالوعي والاهتمام بأمر المسلمين، عسكريًا بالخشونة والتدريب، هي شخصية إسلامية متكاملة أساسها الإيمان والأخلاق”[67].
ويذهب الشيخ القرضاوي إلى أن الأخلاق الإسلامية، لها خصائص ومقومات عدة منها أنها أخلاق ربانية، بمعنى: “أن الوحي الإلهي هو الذي وضع أصولها، وحدد أساسياتها، التي لا بد منها لبيان معالم الشخصية الإسلامية، حتى تبدو متكاملة متماسكة متميزة في مخبرها ومظهرها، عالمة بوجهتها وطريقتها، إذا التبست على غيرها المسالك، واختلطت الدروب”[68]، وذهب أيضًا إلى أن هذه الأخلاق واقعية ممكنة التطبيق، وتتسم بالشمول والعموم، وتهتم بالنية، وتجمع بين الإلزام كضابط والالتزام كحرية، وتتسم أيضًا بالإيجابية والتوازن[69].
العقائد الإسلامية والأخلاق عند القرضاوي:
يقول الإمام القرضاوي: العقائد الإسلامية أساسها التوحيد، هنا نجد الإسلام يضفي على التوحيد صبغة خلقية، فيعتبره من باب “العدل” وهو فضيلة خلقية، كما يعتبر الشرك من باب “الظلم” وهو رذيلة خلقية: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[70]، وذاك لأنه وضعٌ للعبادة في غير موضعها، وتوجه بها إلى من لا يستحقها.
بل اعتبر القرآن الكفر بكل أنواعه ظلمًا، كما قال تعالى: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[71]. والإيمان الإسلامي حين يتكامل ويؤتي أكله، يتجسد في فضائل أخلاقية فاضت بها آيات القرآن، وأحاديث الرسول .
والأحاديث النبوية كذلك تربط الفضائل الأخلاقية بالإيمان، وتجعلها من لوازمه وثمراته: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)[72]، و(الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)[73]، و(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)[74].
العبادات الإسلامية والأخلاق عند القرضاوي:
يربط الإمام القرضاوي بين العبادات الإسلامية الكبرى والأخلاق ربطًا مُحكمًا، ويذهب إلى أن كل العبادات الإسلامية التي يتقرّب بها العبد لربه لها أهداف أخلاقية واضحة، فالصلاة وهي العبادة اليومية الأولى في حياة المسلم، لها وظيفة مرموقة في تكوين الوازع الذاتي، وتربية الضمير الديني: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[75]، ويذهب إلى أنها تمد المسلم بمدد أخلاقي، يستعين به في مواجهة متاعب الحياة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ)[76].
وأثناء حديثه عن ركن الزكاة التي قرنها القرآن بالصلاة، يقول فضيلته: ليست مجرد ضريبة مالية، تؤخذ من الأغنياء، لترد على الفقراء، إنها وسيلة تطهير وتزكية في عالم الأخلاق، كما أنها وسيلة تحصيل وتنمية في عالم الأموال: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[77].
وحينما تحدث فضيلته عن الصيام في الإسلام، يقول: إنما يقصد به تدريب النفس على الكف عن شهواتها، والثورة على مألوفاتها، وبعبارة أخرى: إنه يهيئ النفس للتقوى وهي جماع الأخلاق الإسلامية[78]: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[79].
وفي حديثه عن ركن الحج في الإسلام، يذهب إلى أنه: تدريب للمسلم على التطهر والتجرد والترفع عن زخارف الحياة وترفها، وخضامها وصراعها؛ ولذا يفرض في الإسلام الإحرام ليدخل المسلم حياة قوامها البساطة والتواضع والسلام والجدية والزهد في مظاهر الحياة الدنيا: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[80].
وخلاصة القول يذهب الإمام القرضاوي إلى أنه حينما تفقد هذه العبادات الإسلامية هذه المعاني ولا تحقق هذه الأهداف، تفقد بذلك معناها وجوهر مهمتها، وتصبح جثة بلا روح. ولا غرو أن جاءت الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد ذلك بأسلوب بليغ واضح.
الأخلاق والاقتصاد عند القرضاوي:
يذهب فضيلة الشيخ القرضاوي أن للأخلاق الإسلامية مجالها وعملها في شئون المال والاقتصاد، سواء في ميدان الإنتاج أو التداول أو التوزيع أو الاستهلاك، فليس للاقتصاد أن ينطلق -كما يشاء- بلا حدود ولا قيود، دون ارتباط بقيم، ولا تقيد بمثل عُليا، كما هي دعوة بعض الاقتصاديين للفصل بين الاقتصاد والأخلاق. يقول: ليس للمسلم أن ينتج ما يشاء ولو كان ضارًّا بالناس ماديًّا أو معنويًّا، وإن كان يستطيع أن يحصل هو من وراء هذا الإنتاج أعظم الأرباح، وأكبر المنافع.[81]
ويقول: “إنه لا يجوز أبدًا تقديم الأغراض الاقتصادية على رعاية المُثل والفضائل التي يدعو إليها الدين، على حين نجد الأنظمة الأخرى تؤثر الكسب الاقتصادي، ولو على حساب الإيمان ومقتضيات الإيمان”[82]
إن زراعة التبغ “الدخان” أو “الحشيش” ونحوه من المواد المخدرة أو الضارة قد يكون فيها مكسب مادي كبير، ولكن الإسلام ينهاه أن يكون كسبه ونفعه من وراء خسارة غيره وضرره.
وإن تصنيع الأعناب ليصبح عصيرها خمرًا يجلب أرباحًا وفيرة ويحقق منافع اقتصادية للمنتجين من أصحاب الكروم، ولكن الإسلام أهدر هذه المنافع في مقابل المضار الضخمة التي تترتب على الخمر في العقول والأبدان والأخلاق، وتتمثل فسادًا في الأفراد والأسر والجماعات، يقول القرآن: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)[83]. وليس للمسلم -في ميدان التبادل- أن يتخذ بيع الخمر أو الخنزير أو الميتة أو الأصنام تجارة، أو يبيع شيئًا لمن يعلم أنه يستعمله في شر أو فساد أو إضرار بالآخرين، كالذي يبيع عصير العنب -أو العنب نفسه- ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا، أو يبيع السلاح ممن يعلم أنه يقتل به بريئًا، أو يستخدمه في ظلم وعدوان، وفي الحديث: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه)[84]، وليس للمسلم أن يحتكر الطعام ونحوه مما يحتاج إليه الناس رغبة في أن يبيعه بأضعاف ثمنه، وفي الحديث الصحيح: (لا يحتكر إلا خاطئ)[85]؛ أي آثم. وليس للتاجر المسلم أن يخفي مساوئ سلعته وعيوبها، ويبرز محاسنها مضخمة مكبرة، على طريقة الدعاية الإعلامية المعاصرة، ليبذل المشترون المخدوعون فيها من الثمن أكثر مما تستحق. فهذا غش يبرأ منه الإسلام، ورسول الإسلام: (ليس من من غشَّ)[86].
وفي مجال التوزيع والتملك، لا يجوز للمسلم أن يتملك ثروة من طريق خبيث، ولا يحل له أن يأخذ ما ليس له بحق لا بالعدوان ولا بالحيلة، كما لا يحلّ للمسلم الملك بطريق خبيث، لا يحل له تنمية ملكه بطريق خبيث كذلك؛ لهذا حرم الله الربا والميسر، وأكل أموال الناس بالباطل، والظلم بكل صوره، والضرر والضرار بكل ألوانه.
وفي مجال الاستهلاك، لم يدع الإسلام للإنسان حبله على غاربه، ينفق كيف يشاء، ولو آذى نفسه أو أسرته أو أمته، بل قيده بالاعتدال والتوسط فقال: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)[87]، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[88]، وحمل على الترف والمترفين، وحرم كل ما هو من مظاهر الترف مثل أواني الذهب والفضة، فحرمها على الرجال والنساء جميعًا، كما حرم على الرجال لبس الذهب والحرير، وبهذا تميز الاقتصاد الإسلامي بهذه الخصيصة العظيمة من خصائصه، أنه “اقتصاد أخلاقي”[89]
وهذه الأخلاق تقدر أن تعطي معنى جديدًا لمفهوم “القيمة”، وتملأ الفراغ الفكري الذي يوشك أن يظهر من نتيجة (آلية التصنيع)، وإذا استقرأنا الواقع التطبيقي، وجدنا أثر هذا الاقتران بين الاقتصاد والأخلاق، واضحًا وعميقًا في تاريخ المسلمين، وخاصة يوم كان الإسلام هو المؤثر الأول في حياتهم، والموجه الأول لنشاطهم وسلوكهم.
وأثناء حديثه عن خصائص الشريعة الإسلامية يقول: “هي توازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، دون إخلال، فتبيح الملكية الفردية وتطلقها لينتفع الفرد، ثم هي تعمل على نفع المجتمع وتضع قيودًا على التملك وطرائقه، تمنع فيها الظلم والعدوان والاحتكار والغش والخداع، وتضع قيودًا على الاستثمار وتنمية المال، وأخرى على التسويق والتوزيع، والانفاق والاستهلاك، وبعض هذه القيود أخلاقية يقوم على الإيمان، وأخرى قانونية يقوم عليها السلطان، موازنة بين حقوق الأفراد والمجتمعات، وإقامة للقسط وإشاعة للعدل”[90]
السياسة والأخلاق عند القرضاوي:
يقول الشيخ القرضاوي: ليست السياسة الإسلامية سياسة “ميكافيلية” ترى أن الغاية تبرر الوسيلة أيًّا كانت صفتها، بل هي سياسة مبادئ وقيم تلتزم بها، ولا تتخلى عنها، ولو في أحلك الظروف، وأحرج الساعات، سواء في علاقة الدولة المسلمة بمواطنيها داخليًّا، أو في علاقتها الخارجية بغيرها من الدول والجماعات.
إن الإسلام يرفض كل الرفض الوسيلة القذرة، ولو كانت للوصول إلى غاية شريفة: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)[91]، فالخبيث من الوسائل، كالخبيث من الغايات مرفوض، ولا بد من الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة.
وفي علاقة الدولة بمواطنيها يقول الله تعالى مخاطبًا أولي الأمر في المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[92]، فأداء الأمانات -بمختلف أنواعها المادية والأدبية- إلى مستحقيها، والحكم بين الناس -كل الناس- بالعدل، هو واجب الدولة المسلمة مع رعاياها.
إن السياسة الإسلامية في الداخل يجب أن تقوم على أساس العدل والإنصاف والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات والعقوبات، وعلى الصدق مع الشعب ومصارحته بالحقيقة دون تضليل أو تدجيل وكذب عليه، فإن أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (مَلِكٌ كذَّاب) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علاقة الدولة بغيرها من الدول يجب عليها الوفاء بعهودها، وجميع التزاماتها، واحترام كلمتها. يقول تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[93]. يقول الشيخ رضي الله عنه: في هاتين الآيتين يأمر الله تعالى باحترام العهود والمواثيق ويضيفها إلى الله تعالى (عهد الله)، ويحذر من نكث العهود بعد إبرامها، كفعل تلك المرأة الحمقاء التي تنقض غزلها من بعد إحكامه، وقوة إبرامه، وينادي بأن تكون المعاهدات والاتفاق بين الأمم مبنية على الإخلاص وحسن النوايا، دون الدخل والغش الذي يقصد به أن تكون أمة هي أربى وأزيد نفعًا من أمة، فتستفيد من المعاهدة على حساب أمة أخرى. وهو ما نشاهده في معاهدات هذا الزمان.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى في احترام الاتفاقات، ورعاية العهود، وإن رأى أصحابه فيها أحيانًا ما يعتقدونه إجحافًا بالمسلمين، كما في صلح الحديبية.
يقول الإمام القرضاوي: إذا كان بعض الناس يعتقد أن السياسة لا أخلاق لها، فهذا أبعد ما يكون عن سياسة الإسلام، التي تقوم -أول ما تقوم- على العدل والوفاء والصدق والشرف ومكارم الأخلاق[94].
*ويرفض الإمام القرضاوي الفلسفة الخلقية التي تقوم على التنظير وتبتعد عن التطبيق؛ يقول: “ورفضنا للفلسفة الأخلاقية ليس رفضًا للأخلاق نفسها، فالأخلاق ملاك الفرد الفاضل، وقوام المجتمع الراقي، يبقى ويستقر ما بقيت، ويذهب ويتلاشى إن ذهبت، بل لا حياة بغيرها”[95].
*ويذهب إلى أن “المصدر الأساسي للإلزام الخلقي في الإسلام، ليس هو اللذة ولا المنفعة، ولا العقل ولا الضمير، ولا العرف ولا المجتمع، ولا التطور، ولا غير ذلك مما ذهبت إليه مدارس الفلسفة الخلقية، مثالية وواقعية، وإنما مصدر الإلزام، ومقياس الحكم الخلقي، في الأساس هو الوحي الإلهي. فالخير ما أمر به الله، والشر ما نهى عنه الله”[96].
المبحث الرابع: الباعث الأخلاقي في فقه الإمام القرضاوي
كان للإمام القرضاوي ولا يزال دور كبير في التأكيد على الوسطية الإسلامية، وقد استلهمها من الآية الكريمة: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا)[97]، فهو يعرض الإسلام باعتباره موقفًا وسطًا بين أطراف متصالبة متناقضة فهو الوسط الجامع والمجرى الكبير، وسط بين المادية والروحية وسط بين الفردية والجماعية وسط بين المثالية والواقعية
ويحدد الإمام القرضاوي مهام الدارس للشريعة الإسلامية وفقهها، فيقول: “إن هناك دائرتين متمايزتين، لكل منهما خصائصها وأحكامها:
الأولى: دائرة مفتوحة وقابلة لتعدد الأفهام، وتجدد الاجتهادات، ومن شأنها أن تختلف فيها الأقوال، وتتنوع المذاهب. وهذه الدائرة تشمل معظم نصوص الشريعة وأحكامها…
الثانية: دائرة مغلقة، لا تقبل التعدد ولا الاختلاف، لأنها تقوم على نصوص قطعية الثبوت والدلالة، لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا، ومعنى واحدًا، لأنها تجسد وحدة الأمة الفكرية والشعورية والعملية، ولولاها لانفرط عقد الأمة”[98]
ومن هذا المنظور الوسطي يعرض جملة اجتهاداته الفقهية في كل جوانب الفكر الإسلامي، ومنها اجتهاداته التي ظهرت جلية في كتابه “فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة”، الذي حوى بين دفتيه كل ما يتعلق بقضية الجهاد، وكان منها حديثه عن أخلاقيات الحرب والقتال.
أخلاقيات الحرب والقتال عند العلامة القرضاوي:
يذهب الإمام القرضاوي إلى أن الحرب في الإسلام أخلاقية مثل السياسة والاقتصاد والعلم والعمل، فكلها لا تنفصل عن الأخلاق خلافًا للحرب في حضارة الغرب، فليس من اللازم أن تنضبط بالأخلاق. بينما يحكم الحرب عند المسلمين دستور أخلاقي، لأن الأخلاق هنا ليست نافلة بل جزء من الدين.
ويقول فضيلته: إن الحرب ضرورة تفرضها طبيعة الاجتماع البشري، وطبيعة التدافع الواقع بين البشر الذي ذكره القرآن الكريم بقوله: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)[99]، (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[100]
ولكن ضرورة الحرب لا تعني الخضوع لغرائز الغضب والحمية الجاهلية وإشباع نوازع الحقد والقسوة والأنانية، إذا كان لا بد من الحرب، فلتكن حربًا تضبطها الأخلاق، ولا تسيرها الشهوات، لتكن ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) .[101]
ويقول فضيلته: إذا كان لا بد من الحرب، فلتكن في سبيل الله، وهو السبيل الذي تعلو به كلمة الحق والخير -لا في سبيل الطاغوت- الذي تعلو به كلمة الشر والباطل، (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[102]، ولتكن من أجل استنقاذ المستضعفين، لا من أجل حماية الأقوياء المتسلطين: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)[103]، ولتتقيد الحرب بأخلاق الرحمة والسماحة، ولو كانت مع أشد الأعداء شنآنًا للمسلمين، وعتوًّا عليهم.
ويؤكد فضيلته أن الإسلام يعامل الأسرى معاملة أخلاقية بعد أن تضح الحرب أوزارها، يقول: يجب ألا يُنسى الجانب الإنساني والأخلاقي في معاملة الأسرى وضحايا الحرب، يقول الله تعالى في وصف الأبرار من عباده: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا)[104] .
ويشرح الشيخ القرضاوي المبادئ العامة لفقه الحرب والقتال، في كتابه فقه الجهاد[105]، يمكن أن نلخصها في الأمور التالية:
أولا: تحريم الإسلام استخدام أساليب غير أخلاقية لاختراق الأعداء وكشف أسرارهم عبر المحرمات كالجنس والخمر وسائر ما حرم الله تبارك وتعالى .
ثانيًا: الوفاء بالمواثيق والعهود، وتحريم الغدر والخيانة، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[106].
ثالثًا: عدم مشروعية استخدام أسلحة الدمار الشامل: حيث يقرر الشيخ عدم مشروعية استخدام الأسلحة الكيماوية والجرثومية ، والنووية التي تقتل الألوف بل الملايين في دقيقة واحدة، وتأخذ المسيء إلى جانب البريء، أو تعمل على تدمير الحياة البشرية، وقال: بحرمة هذه الأسلحة، لأن الأصل في الإسلام عدم قتل من لا يقاتل، وقد أنكر قتل امرأة في إحدى المعارك، ولكنه أوصى بأن ذلك لا يمنع الأمة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، بل يجب عليها السعي لامتلاك هذه الأسلحة الرادعة ما دام غيرنا يمتلكها ويهددنا بها ويقصد بذلك العدو الصهيوني الذي اغتصب أرضنا في فلسطين.
رابعًا: يدعو الإسلام إلى التعامل مع الأسرى بإحسان: وبعد المناقشة الطويلة للنصوص الواردة في الكتاب والسنة والآراء الاجتهادية حول قتل الأسير، انتهى إلى اعتبار الحكم النهائي الوارد في سورة الأنفال: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)[107]، وقد يستثنى من ذلك مجرمو الحروب[108]. يقول الإمام القرضاوي في وجوب معاملة الأسرى معاملة إنسانية: “إن الإسلام يوجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم”[109].
وأكد الإمام القرضاوي أن للحرب في الإسلام دستورًا شاملاً متكاملاً، ما قبل الحرب وأثناءه وبعده، تم استخلاصه من نصوص الكتاب والسنة[110]، كالتالي:
المادة الأولى:لا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ
المادة الثانية: لا يقتل العميان ولا الرهبان ولا الفلاحون ولا الصُنّاع ولا التجار
المادة الثالثة: يحرم قتل المدنيين الذين ليسوا من أهل المقاتلة والممانعة
المادة الرابعة: لا يجوز التمثيل بجثث القتلى من الأعداء
المادة الخامسة: لا تهدم منازل المحاربين ولا تحرق محاصيلهم وزروعهم ولا تقتل دوابهم لغير مصلحة
المادة السادسة: الرحمة بالأطفال والصبيان فلا يُجنّدون للحرب إلا بعد بلوغهم وقدرتهم على القتال.
وكل ذلك يشهد على أن الجهاد هو من طبيعة سياسية اقتضتها ضرورات الدفاع عن دار الإسلام، بصدّ المعتدين عليها والدفاع عن المسلمين أن يُفتنوا عن دينهم وعن المستضعفين عامة، إلا أن هذه الأداة السياسية يوجب الإسلام التزامها بدستوره الأخلاقي العقدي.
*لقد أفسح الإمام القرضاوي من خلال طرحه هذا للجهاد أرضًا رحبة للحوار والسماحة والتلاقي والتعايش بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية بما يفسح مجالاً للاستجابة لنداء القرآن الخالد[111]: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[112]
ويجدر بي أن أختم بما سطرته عن الإمام القرضاوي وهو غيض من فيض؛ بأقوال بعض العلماء الأجلاء في وصفهم لفضيلته:
يقول: العلامة الهندي المعروف أبو الحسن النّدوي رئيس ندوة العلماء بالهند: “القرضاوي عالمٌ محقق وهو من كبار العلماء والمربّين”.
وقال عنه العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز العالم الرباني رحمه الله تعالى: “كتبه لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي”.
وقال العلامة الفقيه الدكتور مصطفى الزرقا، رحمه الله: “القرضاوي حجّة العصر وهو من نعم الله على المسلمين”.
ويقول أمير الجماعة الإسلامية بباكستان القاضي حسين أحمد، رحمه الله: “القرضاوي مدرسة علمية فقهية ودعوية يجب أن تستفيد الأمة من نبعها الإسلامي العذب”
وقال عنه مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا طه جابر العلواني، رحمه الله: “القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء”[113].
ووصف الدكتور محمد عمارة الفتوى في مشروعه الفكري، بقوله: ” هكذا، غدت الفتوى في المشروع الفكري للدكتور يوسف القرضاوي، إسهامًا في تجديد الفكر الإسلامي، لا بالنسبة للمستفتين وحدهم، وإنما لجمهور الأمة وطلائع الصحوة الإسلامية المعاصرة..ففتاواه مادة ثقافة إسلامية للكافة، حتى وإن لم يكونوا سائلين ولا مستفتين”[114].
ثبت بالمراجع (رُتبت ألفبائيًا حسب المُؤلِف مع إهمال ال وابن وأب)
- القرآن الكريم
كتب السنة:
- الإمام أحمد، مسند أحمد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، بدون تاريخ
- البخاري، الأدب المفرد، خرج أحاديثه ووضع حواشيه محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ – 1990
- أبو داود، سنن أبو داود، دار الحديث، القاهرة، 1408هـ – 1988م
- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مراجعة قصي محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1407هـ – 1986م
- مالك ابن أنس، الموطأ، صححه وخرج أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الثقافية، بيروت، 1408هـ – 1988م
- مسلم، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412هـ – 1991م
- تليمة، عصام، يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء، دار القلم، دمشق، ضمن سلسلة علماء ومفكرون معاصرون لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم، رقم 15
- حسان، حسين حامد، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1981م
- الحفناوي، محمد إبراهيم، نظرات في أدلة التشريع المختلف فيها، دار البشير، المنصورة، 1986م
- خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار القلم للطباعة والنشر، الكويت، الطبعة الثامنة، 1900م
- دراز، محمد عبد الله، دستور الأخلاق في القرآن دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن، تعريب وتحقيق عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة، 1412هـ – 1991م
- ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1983م
- زهد، عصام العبد، الجهاد في فكر الإمام القرضاوي، الطبعة الأولى، 1431هـ – 2010م، منشور على الإنترنت
- أبو زهرة، الشيخ محمد، الشافعي حياته وعصره آراؤه وفقهه، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م
- زيدان، عبد الكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الحادية عشر، 1989م
- زيدان، عبد الكريم، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م
- عمارة، محمد، الدكتور يوسف القرضاوي المدرسة الفكرية والمشروع الفكري، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997م
- الغنوشي، راشد، ما الجديد في جهاد القرضاوي؟، ضمن ندوة عن الجهاد في جامعة أدنبره، منشورة على الإنترنت في موقع: ويكيبديا الإخوان المسلمينhttp://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=ما_الجديد_فى_.جهاد._القرضاوى
- القرضاوي، الإيمان والحياة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثامنة عشر، 1434هـ – 2013م
- القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام، مكتبة وهبة، القاهرة الطبعة الثانية، 1401هـ – 1981م
- القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1415هـ – 1995م
- القرضاوي، شريعة الإسلام خلودها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، المكتب الإسلامي، بيروت، 1393هـ – 1973م
- القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2009م
- القرضاوي، فوائد البنوك هي الربا الحرام، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418هـ – 1998م
- القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام، مقوماته خصائصه أهدافه مصادره، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1996م
- موقع القرضاوي، أخلاقيات المسلم، نشرت بتاريخ: 21 يوليو 2011، الرابط:
http://www.qaradawi.net/new/Articles-665
- موقع القرضاوي، مقالة بعنوان: ما هي الأخلاق؟، نشرت في موقع فضيلته بتاريخ: 31 يوليو 2016، الرابط: http://www.qaradawi.net/new/Articles-9694
- ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق محمد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ
- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، 1405هـ – 1984م
- مدكور، عبد الحميد، دراسات في علم الأخلاق، مكتبة الشباب، القاهرة، 1990م
- ابن مفلح، الآداب الشرعية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعمر الخيام، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1417هـ – 1996م
- المودودي، أبو الأعلى، نظام الحياة في الإسلام، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الاسكندرية، بدون تاريخ
- نصار، جمال، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1425هـ – 2004م
- يالجن، مقداد، التربية الأخلاقية الإسلامية، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1397هـ – 1977م
[1] – الموطأ، كتاب حسن الخلق، رقم الحديث (8)، ص904
[2] – سورة القلم: 4
[3] – سورة الانفطار: 13-14
[4] – مسند أحمد، 2/379، حديث رقم (8918)
[5] – هو أحمد بن يعقوب، أبو علي الملقب مسكويه، ويطلق عليه اسم أبي علي الخازن، ويعتبر ابن مسكويه هو أول علماء المسلمين الذين كتبوا في علم الأخلاق بمفهومه العلمي والفلسفي، في كتابه: “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق”
[6] – هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي، أكبر قضاة آخر الدولة العباسية، صاحب التصانيف الكثيرة النافعة، منها كتابه المهم، “أدب الدنيا والدين“.
[7] – هو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب، أديب وعالم، أصله من أصفهان، ألف عدة كتب في التفسير والأدب والبلاغة، ومن أشهر ما كتبه في مجال الأخلاق: “الذريعة إلى مكارم الشريعة“.
[8] – أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، أحد أعلام عصره، وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، كان فقيهًا وأصوليًا وفيلسوفًا، ومن أهم مؤلفاته في هذا السياق، كتابه: “إحياء علوم الدين“.
[9] – هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعي، الشهير بابن قيّم الجوزية، من علماء المسلمين في القرن الثامن الهجري وصاحب المؤلفات العديدة، وقد تناول الجانب الأخلاقي في أكثر من كتاب.
[10] – راجع كتابه: الخصائص العامة للإسلام، مكتبة وهبة، القاهرة الطبعة الثانية، 1401هـ – 1981م
[11] – في كتابه: فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2009م
[12] – في كتابه: دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1415هـ – 1995م
[13] – في كتابه: مدخل لمعرفة الإسلام، مقوماته خصائصه أهدافه مصادره، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1996م
[14] – في كتابه: الإيمان والحياة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثامنة عشر، 1434هـ – 2013م
[15] – سورة يونس: 13
[16] – سورة الانفطار: 13-14
[17] – البخاري، الأدب المفرد، ص90، وراجع ابن مفلح، الآداب الشرعية، 2/195
[18] – ابن هشام، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، 1/ ص358 – 359
[19] – حكيم من حكماء العرب في الجاهلية
[20] – سورة النحل: 20
[21] – ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/583، وراجع مدكور، دراسات في علم الأخلاق، ص103- 104
[22] – سورة العنكبوت: 45
[23] – الأرنؤوط، شعيب، وآخر، مقدمة الآداب الشرعية لابن مفلح، ص103 – 104
[24] – المودودي، أبو الأعلى، نظام الحياة في الإسلام، ص16
[25] – راجع الآيات: 177 من البقرة، و 19 – 24 من الرعد، و 63 – 76 من الفرقان، و 22- 39 من الإسراء، و 151 – 153 من الأنعام، و 90 – 97 من النحل، و 19 – 35 من المعارج، و 35 من الأحزاب، و 36 من النساء، و 111 – 112 من التوبة
[26] – يالجن، مقداد، التربية الأخلاقية الإسلامية، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1397هـ – 1977م، ص102
[27] – راجع تفصيل ذلك في: نصار، جمال، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1425هـ – 2004م، ص30 – 36
[28] – سورة الأعراف: 31
[29] – سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب 63، 4/526، حديث رقم (2413)
[30] – سورة يونس: 101
[31]– سورة سبأ: 46
[32] – سورة الشمس: 9 – 10
[33] – سورة النساء: 19
[34] – سورة الأحقاف: 15
[35] – سورة الإسراء: 31
[36] – سورة النحل: 90
[37] – سورة الإسراء: 26
[38] – سورة النور: 27
[39] – سورة المطففين: 1 – 3
[40] – سورة البقرة: 282
[41] – سورة النساء: 58
[42] – فتح الباري، 5 / 50، حديث رقم (2363)
[43] – فتح الباري، 5 / 50، حديث رقم (2365)
[44] – سورة الجاثية: 13
[45] – سورة الأعراف: 185
[46] – سورة الفاتحة: 5
[47] – القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام، ص106 – 108 بتصرف، وراجع مدخل لمعرفة الإسلام، ص105 – 107
[48] – سورة الزخرف: 71
[49] – فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، تحقيق محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1983م، ص30
[50] – الموطأ، كتاب الأقضية، باب 26، ص754
[51] – زيدان، عبد الكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الحادية عشر، 1989م، ص82 – 83
[52] – زيدان، عبد الكريم، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م، ص378 – 379، ويمكن الرجوع للتفصيل في هذه القضية: الموافقات للشاطبي، 2/8 وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطي، 1/210 وما بعدها
[53] – خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار القلم للطباعة والنشر، الكويت، الطبعة الثامنة، 1900م، ص84
[54] – حسان، حسين حامد، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1981م، ص65
[55] – سورة الأنعام: 151
[56] – دراز، محمد عبد الله، دستور الأخلاق في القرآن الكريم، ص49 من الهامش، وراجع الحفناوي، محمد إبراهيم، نظرات في أدلة التشريع المختلف فيها، دار البشير، المنصورة، 1986م، ص35
[57] – اجتر البعير: أخرج جرته، والشيء جذبه، المعجم الوسيط، 1/121
[58] – أبو زهرة، الشيخ محمد، الشافعي حياته وعصره آراؤه وفقهه، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م ص270، وانظر الاعتصام للشاطبي، 2/356 – 357، ونظرية المصلحة في الفقه الإسلامي، ص76
[59] – المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص58، وراجع ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق محمد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ، ص14
[60] – سورة العلق: 1
[61] – سورة المدثر: 1-7
[62] – مسند أحمد، 2/381، حديث رقم (8939)، والأدب المفرد 273
[63] – سورة المؤمنون: 1 – 8
[64] – فتح الباري: 10/460، حديث رقم (6018)، ومسند أحمد، 2/174
[65] – القرضاوي، مقالة بعنوان: ما هي الأخلاق؟، نشرت في موقع فضيلته بتاريخ: 31 يوليو 2016، الرابط:
http://www.qaradawi.net/new/Articles-9694
[66] – المرجع السابق نفسه
[67] – موقع القرضاوي، أخلاقيات المسلم، نشرت بتاريخ: 21 يوليو 2011، الرابط:
http://www.qaradawi.net/new/Articles-665
[68] – القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام، مقوماته خصائصه أهدافه مصادره، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1996م، ص48، وراجع أيضًا الخصائص العامة للإسلام، ص39
[69] – راجع تفصيل ذلك في الخصائص العامة للإسلام، صفحات: 39 وما بعدها، و106 وما بعدها، و151 وما بعدها
[70] – سورة لقمان: 13
[71] – سورة البقرة: 154
[72] – مسند أحمد، 2/174، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الضيف، حديث رقم(74)، 1/68
[73] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان، حديث رقم (58)، 1/63
[74] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، حديث رقم (100)، 1/76
[75] – سورة العنكبوت: 45
[76] – سورة البقرة: 153
[77] – سورة التوبة: 103
[78] – القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام، مرجع سابق، ص89
[79] – سورة البقرة: 183
[80] – سورة البقرة: 197
[81] – نصار، جمال، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص34
[82] – دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص57
[83] – سورة البقرة: 219
[84] – مسند أحمد، 1/293
[85] – صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، 2/1228، حديث رقم (13)
[86] – سنن أبي داود، حديث رقم (3452)، 3/270
[87] – سورة الإسراء: 29
[88] – سورة الأعراف: 31
[89] – القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام، ص90 – 91 بتصرف
[90] – القرضاوي، شريعة الإسلام خلودها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، المكتب الإسلامي، بيروت، 1393هـ – 1973م، ص21
[91] – صحيح مسلم، حديث رقم (1015)، 2/703، ومسند أحمد 2/328
[92] – سورة النساء:58
[93] – سورة النحل: 91-93
[94] – مدخل لمعرفة الإسلام، مرجع سابق، 93 – 95
[95] – الإيمان والحياة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثامنة عشر، 1434هـ – 2013م، ص185
[96] – الخصائص العامة للإسلام، ص45
[97] – سورة البقرة” 143
[98] – القرضاوي، فوائد البنوك هي الربا الحرام، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418هـ – 1998م ص ب من المقدمة
[99] – سورة الحج: 40
[100] – سورة البقرة: 251
[101] – سورة البقرة: 190
[102] – سورة النساء: 76
[103] – سورة النساء: 75
[104] – سورة الإنسان: 8 – 9
[105] – 1/ 743 – 744
[106] – سورة الإسراء: 34
[107] – سورة محمد: 4
[108] – زهد، عصام العبد، الجهاد في فكر الإمام القرضاوي، الطبعة الأولى، 1431هـ – 2010م، منشور على الإنترنت
[109] – فقه الجهاد، 2/955
[110] – فقه الجهاد، 1/745-747
[111] – الغنوشي، راشد، ما الجديد في جهاد القرضاوي؟، ضمن ندوة عن الجهاد في جامعة أدنبره، منشورة على الإنترنت في موقع: ويكيبديا الإخوان المسلمين
http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=ما_الجديد_فى_.جهاد._القرضاوى
[112] – سورة الحجرات: 13
[113] – تليمة، عصام، يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء، دار القلم، دمشق، ضمن سلسلة علماء ومفكرون معاصرون لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم، رقم 15‘ ص49 وما بعدها
[114] – الدكتور يوسف القرضاوي المدرسة الفكرية والمشروع الفكري، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997م، ص61