د. كمال أصلان – الشرق القطرية
العِزُّ؛ خلاف الذل، والعزة: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهي إحساس يملأ القلب، والنفس بالإباء والشموخ، والاستعلاء، والارتفاع، وهي ارتباط بالله، وارتفاع بالنفس عن مواضع المهانة، والتحرر من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
قال اللَّهُ تبارك وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر: 10)، أي: من كان يود أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى؛ فإن بها تنال العزة؛ إذ لله العزة فيهما جميعًا.
وقال الله، تبارك وتعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)، في هذه الآية الكريمة أدب قرآني عظيم، وتوجيه رباني كبير للثلّة المؤمنة المجاهدة، والصابرة، يحثهم فيه على عدم الهوان الذي يُنافي العزة ويضادها، فهو أمر للمؤمنين بالثبات على عزتهم، حتى في الأوقات العصيبة؛ لتبقى العزة ملازمة لهم، لا تنفك عنهم في الضراء والسراء، في الفرح والحزن، في الحرب والسلم، في النصر والهزيمة.
ومن صور العزة المحمودة:
أولًا: الاعتزاز باللَّه تبارك وتعالى: فهو يعرف أن الله عزيز، يهب العزة من يشاء، كما أنه ينزعها ممن يشاء، كما أنه يوقن أن الاعتزاز بالعزيز عزة، والاعتماد عليه قوة، والالتزام بنهجه شموخ، فتراه قويًا بإيمانه به، عزيزًا بتوكله عليه، شامخًا بيقينه به، وهو يعلم أن الاعتزاز بغيره ذل وهوان، والاستقواء بغيره ضعف، معتبرًا بحال كل من اعتز بغير الله تعالى، كيف هوى إلى مدارك الذلة، وهبط إلى حضيض المهانة.
ثانيًا: الاعتزاز بالانتساب للإسلام، والاعتزاز بهديه وشرائعه: فهو يعلم أن هذا الدين دين العزة والقوة، الذي يستمد المسلمون عزهم من عزه، وقوتهم من قوته، ومتى طلبوا العزة في سواه، من مناهج الأرض الشرقية أو الغربية، أذلهم الله،كما أنه لا يعتز بقبيلة، أو قومية، أو نسب، أو عرق مما ينتسب إليه أهل الجاهلية في القديم، والحديث، بل عزته بدينه فقط.
ثالثًا: الاعتزاز برسول الله، صلى الله عليه وسلم: فهو يعتز بكونه فردًا في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويفاخر به إذا ذُكر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنى لقاءه، ويسأل الله أن يوفقه للسير على نهجه، وإحياء سنته، والقيام بحقوقه.
رابعًا: إظهار العزة على الكافرين، والذلة وخفض الجناح للمؤمنين: وهذه من أعظم صور العزة، ومظاهرها؛ أن يُري المؤمن الكافرين من نفسه عزة، وقوة، واستعلاء، لا كبرًا وبطرًا، بل إظهارًا لقوة هذا الدين، وعزته، وعلوه؛ قال الله، عز وجل، وهو يصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29)، فهم رحماء فيما بينهم، إلا أنهم أشداء على الكافرين، أقوياء في مواجهتهم.
ومن الوسائل المعينة على اكتساب العزة:
الاعتقاد الجازم، والإيمان اليقيني بأن الله تعالى هو العزيز الذي لا يغلبه شيء، وأنه هو مصدر العزة وواهبها، وصدق الانتماء لهذا الدين، والشعور بالفخر للانتساب له، والاعتزاز به حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين؛ يقول تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (آل عمران: 139)، ومتابعة الرسول، صلى الله عليه وسلم، في هديه، وطاعته في أمره، ولزوم سنته؛ فإنه بقدر ذلك تكون عزة العبد في الدنيا، وفلاحه في الآخرة.
واليقين بأن دين الله قد كتب له العلو، والتمكين في الأرض، وأن دولة الكافرين، وعزتهم سائرة إلى زوال؛ لأنها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولد عند المؤمن شعور بالعزة، وإحساس بالشرف والعلو، وتربية الأولاد والنشء على العزة بالالتزام بتعاليم الإسلام ظاهرًا وباطنًا، وتقوية الإيمان، وللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا، وعمل الطاعات والمبادرة إليها، والحذر من المعاصي؛ فهي من أعظم أسباب ذل الإنسان، ولا ذل أشد من ذل المعصية، وبمقدار طاعته له تكون العزة والشرف والسؤدد، والعكس، والعفة عمّا في أيدي الناس تعصم الإنسان من إذلال نفسه.