د. كمال أصلان – الشرق القطرية
الإخلاص هو فضيلة من الفضائل، وخلق من الأخلاق الحسنة الحميدة، والتي يُعبِّر فيها الشخص بالقول والفعل عن آرائه ومشاعره ومعتقداته ورغباته دون رياء أو نفاق أو مواربة. ويرتبط الإخلاص بالصدق، إذ إنه يُعبِّر عن مدى تطابق القول مع الفعل. قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ).
وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
ومن فضائل الإخلاص على النفس:
أولًا: يُنجي صاحبه من إضلال الشيطان وإغوائه:
قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
ثانيًا: الإخلاص يورث صاحبه نعيم الجنة:
قال تعالى: (وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ).
ثالثًا: الإخلاص يُطهِّر قلبَ صاحبه مِن الحقد والغلِّ والخيانة:
فعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ دعوتهم تحيط مِن ورائهم).
رابعًا: الإخلاص طريق النصر:
فعن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما ينصر الله هذه الأمَّةَ بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم).
خامسًا: الإخلاص يفرج الهموم ويزيل الكروب:
وهذا واضحٌ من حديث الثلاثة الذين آوَوا إلى الغار؛ حيث نجَّاهم الله تعالى بإخلاصهم.
وللإخلاص فوائد جمّة في العمل؛ حيث يمنع الإخلاص التاجر من الخيانة والغش في الأصناف التي لا يعلمها غيره، ويدفع الكاتب إلى نقل الحقيقة دون تزوير وتملق، ويقود العامل إلى إجادة عمله دون تهاون وتكاسل، ويحمل الإخلاص صاحبه للوفاء بالعهود، وتقديم المشورة بعمله للقريب والبعيد، ويُضفي هالة من الاحترام على من يتسم بالإخلاص والصدق، ويتصف المخلص بالأمانة فلا يرتشي أو يقبل مال حرام، ويدفع أصحاب المناصب إلى مباشرة الأعمال بأنفسهم واختيار الأتقى والأقوى، ويزيد من قدرة الفرد في الإنتاج مما يحقق الإحسان في القول والعمل.
ومن فوائد الإخلاص في المجتمع تحقيق الاستقامة في سلوك الأفراد مما يجعل وصول القيم العليا مشتركة وجماعية لا فردية، وتوجيه طاقات المجتمع بشكل كامل، فيكون المجتمع كالجسد الواحد في تعامله مع الكوارث التي تحدث في الحياة، فيصبح المجتمع الإسلامي بإخلاصه كُلٌ في عمله وحدة واحدة في التطوّر، ودفع المجتمع للإنجاز والحرص على المصلحة الفردية.
ومن وسائل تحقيق الإخلاص:
- أن يعلم المُكلَف يقينًا بأنّه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضًا ولا أجرًا، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضُّل منه وإحسان إليه، ولا معاوضة.
- مشاهدته مِنَّة الله عليه وفضله وتوفيقه، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، وكل خير فهو مجرد فضل الله ومنته، ومطالعته عيوبه وآفاته وتقصيره منه، وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان.
- تذكير النفس بما أمر الله به من إصلاح القلب وإخلاصه، وحرمان المرائي من التوفيق والخوف من مقت الله تعالى، إذا اطلع على قلبه وهو منطوٍ على الرياء.
- الإكثار من العبادات غير المشاهَدة وإخفاؤها، كقيام الليل، وصدقة السر والبكاء خاليًا من خشية الله.
- الإلحاح على الله بالدعاء، فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يُكثر من الدعاء والإلحاح على الله.
- محاولة التخلص من حظوظ النفس، فإنه لا يجتمع الإخلاص في القلب، وحب المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلّا كما يجتمع الماء والنار.