د. جمال نصار – الشرق القطرية
لا يخفى على أحدٍ في أنحاء العالم ما يمارسه الغرب من ازدواجية مُفرطة ضد الفلسطينيين، والوقوف دومًا بجانب الاحتلال الإسرائيلي، الذي اغتصب الأرض، وهجّر أهلها منذ عشرات السنين، ناهيكم عن دعمه بشكل كامل في حروبه المتكررة ضد فلسطين بشكل عام، وغزة بشكل خاص.
ولا يمكن أن ينسى العالم كمّ الانتهاكات والاعتداءات التي تتم كل يوم في المقدسات الإسلامية، وحتى المسيحية في القدس الشريف، بالإضافة إلى الإجرام الوحشي ضد أهلنا في غزة، مع الحصار غير المقبول الذي خنق الشعب الفلسطيني، وانتهك أبسط حقوقه في الحياة، والعيش الكريم.
ومع كل هذه الانتهاكات التي نراها، ويراها العالم عبر شاشات التلفاز، ووكالات الأنباء، وما نقرأه في الصحف المحلية والعالمية، وما يعيشه أبناء فلسطين من عنت وتضييق في كل شيء، في ذات الوقت تخرج عليها ألسنة وتصريحات في الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول الغربية، مثل: فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، ومن على شاكلتهم؛ أنه من حق (إسرائيل) الدفاع عن نفسها، والرد بكل قوة على المقاومة الفلسطينية، بل أصبحت اللغة السائدة الآن، تجويع الشعب الفلسطيني، ومنع كل وسائل الحياة من أجل القضاء نهائيًا على المقاومة، وفي القلب منها حماس.
إن هذه الازدواجية المقيتة، ستؤدي لا محالة إلى اشتعال المنطقة برُمتها، وسيكونون أول الخاسرين بسبب طريقتهم السلطوية، التي لا ترى إلا مصالحها فقط. ولعل الدعم غير المسبوق من الولايات المتحدة الأمريكية، بالتصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي بايدن بدعمه، ووقوفه الكامل بجانب الكيان الإسرائيلي المحتل، وزيارة وزيريّ الخارجية، والدفاع الأمريكيين للمنطقة خير دليل على ذلك، وكذا تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) “ينس ستولتنبرغ”، التي يدعم فيها (إسرائيل) بشكل كامل!
ولا شك أن الرئيس الأمريكي ارتكب خطأً استراتيجيًا فادحًا، وفاضحًا في نفس الوقت بتبنيه الكامل للسردية الصهيونية التي يرددها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو كذوب، بشأن الأحداث الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن المقاومة تقتل الأطفال، وتقوم بإعدام النساء، وتقطع الرؤوس على طريقة داعش، ولم يكتف بذلك، بل تمادت ادعاءاته بأن المقاومة الفلسطينية تغتصب النساء، وهو أمر غير صحيح مطلقًا، ولا يوجد أي دليل عليه!
وإذا كان الرئيس جو بايدن بتصريحاته تلك، ودعمه الكامل للاحتلال الإسرائيلي بكل أنواع الأسلحة والطيران، سيزيد من رصيده لدى الشعب الأمريكي، فهو واهم، لأنه بذلك يرتكب خطأً فادحًا سينعكس سلبًا على مصالح واشنطن بالمنطقة على كل الأصعدة، ولا يأخذ مصالحها الاستراتيجية في عين الاعتبار، لأن هذا الخطاب الأمريكي سيزيد من حجم الكراهية في الشارع العربي للولايات المتحدة، ولصورتها بالمنطقة بعد محاولة تحسينها عقب غزو العراق، الذي تم تدميره بدليل وهمي، علاوة على أنه يزيد حجم الاحتقان وعدم الاستقرار بالمنطقة من خلال إمكانية توسيع الصراع ودخول أطراف إقليمية أخرى في هذا الصراع الدائر، الذي سيؤدي لا محالة إلى اشتعال المنطقة برمتها.
وليس هذا فحسب، بل إن هذا الدعم الكامل، والنظر بعين واحدة لِما يحدث في فلسطين، وترجيح كفة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم وضع الشعب الفلسطيني في الاعتبار، سيزيد من الضغوط على حلفاء واشنطن في المنطقة، نتيجة لما يحدث في غزة، من انتهاكات غير مسبوقة، وقد تنفجر الأوضاع في البلدان المحيطة بفلسطين، مثل مصر، والأردن، ولبنان (بلاد الطوق)، إضافة إلى منح روسيا والصين فرصة للدخول على الخط في الأزمة الحالية للحضور في المنطقة، بشكل أكبر، مما يقلل من المكاسب الأمريكية.
أقول إن هذه النظرة الأحادية في التعامل مع القضية الفلسطينية من قِبل الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، سيزيد من الاحتقان في المنطقة، والعالم الإسلامي كله، وسيكون ذلك بداية لتحولات كبيرة ضد أمريكا، وستكون هي الخاسر الأكبر في هذه المعادلة.
ألم يشاهدوا الإجرام الوحشي الذي يمارسه الكيان الصهيوني مع أهلنا في غزة، والتطهير العرقي، وسياسة الأرض المحروقة بآلاف الأطنان من القنابل الممنوعة دوليًا، وقتلٍ للأطفال والنساء، وهدمٍ للمنازل والمستشفيات، وكل المؤسسات، وقطع المياه والكهرباء والوقود، ومنع المساعدات الطبية والغذائية، أم أنه ليس لديهم ضمير، يرون بعين واحدة فقط، ولا يشعرون بالشعب الفلسطيني من قريب أو بعيد، ويصفونه بأنه لا يستحق الحياة!
وقد وصلت حصيلة هذه المجازر الوحشية، حتى كتابة هذه السطور، أكثر من 2700 شهيد، وما يقرب من 10 آلاف جريح، عدد كبير منهم في حالات حرجة، لعدم توفّر الحد الأدنى من الإسعافات، واستهداف المستشفيات!