د. كمال أصلان – الشرق القطرية
الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك، ولا معارضة، فيقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدمًا ولا تأخرًا، وهذا يكون فيما يقفه فيه من مراده سبحانه الكوني الذي لا يتعلق بأمر ولا نهي، وأما إذا وقفه في مراد ديني فكماله بطلب التقدم فيه دائمًا.
والقناعةُ من أسبابِ سعادةِ الإنسانِ في هذه الدُّنيا، فمتى تحقَّقَت له بعَثَت في نفسه السَّكينةَ والرَّاحةَ، وقد رَغَّب القرآنُ الكريمُ فيها، ومِن ذلك، قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). روي عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب والحسن البصري في تفسير الحياة الطيبة: أنها القناعة.
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
وعن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: “لقد مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبزٍ وزيت، في يوم واحد، مرتين”.
وكان السلف، رضي الله عنهم، يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق، رضي الله عنه، يكتب إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، فيقول: “أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر”.
وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده: “أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت”.
إن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله؟
ومن فضائل الرضا:
أولًا: أنه سببٌ لمغفرة الذنوب: كما جاء في الحديث: (من قال حين يسمع المؤذن: رضيت بالله ربًا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا؛ غفر له ذنبه).
ثانيًا: الرضا سببٌ لوجوب الجنة لصاحبه: عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه؛ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا سعيد! من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا؛ وجبت له الجنة).
ثالثًا: الرضا سببٌ لنيل رِضوان الله الأبدي: لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا).
رابعًا: الراضي بقضاء اللهِ أغنَى الناس: لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك؛ تكن أغنى الناس).
خامسًا: الراضي يتذوق طعم الإيمان: لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان؛ من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا).
ومن الأسباب المعينة على اكتساب الرضا والقناعة:
اكتفاء الإنسان بما رُزق، والاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم، والاقتداء بهم، والاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير، والإيمان الجازم بأنَّ الأرزاق مقدَّرة مقسومة، وتقوية الإيمان بالله تعالى، والاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها، وتذكُّر الموت وزيارة القبور، وقراءة القرآن والتأمُّل في الآيات القرآنية التي تناولت قضية الرزق والمعيشة، وأن يعلم الإنسان أنَّ في القناعة عزة للنفس، وفي الطمع ذل ومهانة، وأن يعرف أنَّ في جمع المال انشغال القلب به، وأنه عليه أن يسعى ويجتهد في تحصيل الرزق الحلال، ويأخذ بالأسباب مع اليقين بأنه ما كان لك سوف يأتيك.