د. كمال أصلان – الشرق القطرية
الشرك الخفي هو نوع من أنواع الشرك الذي لا يظهر للناس بشكل واضح أو جلي، بل يكون مخفيًا في قلب الإنسان ونواياه، وعلى عكس الشرك الجليّ الذي يتعلق بعبادة غير الله بشكل صريح، فإن الشرك الخفي يظهر في صور أقل وضوحًا مثل الرياء، الذي يعني: “القيام بالأعمال الصالحة لمرضاة الناس وليس الله”، أو الاعتماد على الأسباب المادية دون التوكل على الله، أو الخوف والرجاء من غير الله.
وهو خطير لأنه يفسد نية العمل الصالح، ويُحبط الأجر والثواب، بل قد يودي بصاحبه إلى النار إن لم يتب إلى الله. قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء: 48)، وهذا يدل على خطورة الشرك على اختلاف أنواعه، بما في ذلك الشرك الخفي.
وقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟” فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: “الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل). هذا الحديث الشريف يبين أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر من خوفه عليهم من الفتن الكبرى كالمسيح الدجال.
ومن مظاهر الشرك الخفي: الرياء؛ وهو أحد أبرز مظاهر الشرك الخفي، وهو أن يقوم الإنسان بعمل صالح، لكنه يبتغي به مرضاة الناس، أو مديحهم بدلًا من مرضاة الله.
والعجب بالنفس، وهو أن يشعر الإنسان بالعجب بأعماله الصالحة، ويظن أنها كافية لدخوله الجنة، وينسى فضل الله ورحمته، فيصير قلبه متعلقًا بنفسه، وأعماله بدلًا من تعلقه بالله.
والتعلق بالأسباب؛ ويعني أن الشرك الخفي قد يظهر أيضًا في التعلق بالأسباب المادية دون الاعتماد الحقيقي على الله. فالله هو الذي يسبب الأسباب، ومن يتوكل على الأسباب وحدها دون الله يقع في نوع من الشرك الخفي.
ولعلاج الشرك الخفي لا بد من الإخلاص في النية والعمل، قال الله تعالى: (وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ) (البينة: 5).
فعلى المؤمن أن يحاسب نفسه قبل كل عمل ويسأل نفسه: هل أنا أبتغي بهذا العمل وجه الله وحده؟ أم أبتغي مدح الناس، أو اكتساب مكانة في أعينهم؟
والتوكل على الله وحده في كل الأمور، لأن الأسباب وحدها لا تأتي بالنتائج، بل الله هو من يسيّر الأمور كيف يشاء. قال الله تعالى: (وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ) (الطلاق: 3)، ولا يعني التوكل على الله ترك الأسباب، بل يعني الاعتماد القلبي على الله، واليقين بأنه هو المدبّر الحقيقي لكل شيء.
وتعهد القلب بالمراقبة؛ فيجب على المؤمن أن يراقب قلبه بشكل دائم ويتعهد نيته باستمرار. قال سفيان الثوري: “ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي؛ لأنها تتقلب عليّ”.
والاستغفار والتوبة؛ لأن الإنسان قد يقع في الشرك الخفي دون أن يدرك، فإن التوبة، والاستغفار هما وسائل ضرورية للحفاظ على نقاء القلب، فالاستغفار الدائم يساعد الإنسان على تصحيح نيته وتنقية قلبه من أي شرك قد يتسلل إليه دون علمه.
والدعاء لله بالحفظ من الشرك؛ فالنبي، صلى الله عليه وسلم، كان يُعلّم الصحابة أن يطلبوا من الله العون على الإخلاص، والتخلص من الشرك، فقد كان يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم).