د. جمال نصار – عربي21
من فترة لأخرى ومن قديم الزمان، منذ بعثة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، يظهر بعض النكرات، ويخرج علينا بعض المتعصبين العنصريين، ممن يجهل فضل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على البشرية، بأقوال في حق الإسلام، ونبي الإسلام تخالف الحقيقة والواقع، موجهًا السهام تلو الأخرى لتشويه هذا الدين العظيم الذي أتى لإنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور، وليس هذا فحسب، بل لإسعادهم في الدنيا والآخرة إن هم ساروا على هديه، واتبعوا سنة نبيه.
وقصة هذه الآية (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر: 95)، قد ذكرها أهل السير والتفسير، وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش: منهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس. وقد كتب النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى كسرى وقيصر، وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبت مُلكه.
وأما كسرى فمّزق كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل ومزّق ملكه كل ممزق، فلم يبق للأكاسرة ملك، وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر: 3)، فكل من أبغضه وعاداه، فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره.
ومن الكلام السائر، الذي صدّقه التاريخ والواقع: “لحوم العلماء مسمومة”، فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام؟ وفي الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “يقول الله تعالى من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة”، فكيف بمن عادى الأنبياء؟
يا ناطح الجبل العـالي ليثلـمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
حملة مشبوهة على الإسلام ونبيه العظيم
بدأت الأزمة الأخيرة بتغريدة نشرها المتحدث باسم الحزب الحاكم في الهند “نافين جيندال” على حسابه الرسمي على تويتر، تساءل فيها عن سبب زواج النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من السيدة عائشة، وهي لم تبلغ حينها عشر سنوات. كما صدرت تصريحات مماثلة مسيئة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وزوجاته عن المتحدثة باسم الحزب “نوبور شارما” خلال مناظرة تلفزيونية.
أقول ما قام به هؤلاء من محاولات التقليل والاستهزاء بنبينا العظيم، لأمر جلل يجب أن يستتبعه اعتذار كامل من الحكومة الهندية التي تُظهر من حين لآخر بغضها للدين الإسلامي، وتهاجم المسلمين، وتعاملهم بكل عنصرية. ولكن للأسف لم تُقدّم اعتذارًا، وادّعَوا، قاتلهم الله، أن الأمر لا يستدعي أي اعتذار!
هذا الموقف المتعنّت، وهذا التشويه المتعمد لنبي الإسلام، وهو منه براء، لم يكن ليقع لولا استهتار بعض الأنظمة الحاكمة من العرب والمسلمين بشعائر الإسلام ومقدساته. فلو قام أحد المسلمين بالاستهزاء بسيدنا عيسى، عليه السلام، لقامت الدنيا ولم تقعد، إنها العنصرية المقيتة والتشويه المتعمد. ولكن هيهات لهم أن يسقطوا النجم على الأرض، وهذا يدل على انحطاط تفكيرهم، وعصبيتهم وعنصريتهم البغيضة.
لقد توالت الهجمات الغربية المسيئة إلى الإسلام ونبيه، بدءًا بالرسوم المسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في إحدى الصحف الدنماركية، منذ سنوات، وانتهاء بتصريحات ماكرون، رئيس فرنسا، التي تهين الإسلام وتتهمه باتهامات هو منها براء. وقد تجاوزت الإساءة إلى الإسلام آراء من يقوم بهذه الإساءة إلى رؤية اليمينيين المتشددين في أوروبا، وهو الأمر الذي يقلق كثيرين حاولوا التنبيه إلى عدم المساس بالمقدسات الدينية.
أقوال المنصفين في حق الرسول الأمين
ليقرأ هؤلاء الذين لا يعرفون قدر النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، ما سطّره بعض الغربيين المنصفين في حقه، صلى الله عليه وسلم:
يقول “سير وليام موير” في كتابه: (سيرة محمد صلى الله عليه وسلم): “امتاز محمد بوضوح كلامه، ويُسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما يُدهش الألباب، فلم يشهد التاريخ مُصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل محمد”.
ويقول “توماس كارليل”، الفيلسوف الإنجليزي في كتابه (الأبطال): “قوم يضربون في الصحراء عدة قرون لا يُؤبه لهم، فلما جاءهم النبي العربي أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعزوا بعد ذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم”.
وقالت الكاتبة البريطانية الدكتورة “كارين آرمسترونغ” الراهِبة السابقة، وصاحِبة الكتابات القوية في مجال مقارنة المعتقدات وتاريخِها: “لقد قدَّم مُحمدٌ دُروسًا مُهمَّةً للبشرية، ليس للمسلمين فحسب، بل ولأهل الغرب أيضًا. لقد كرَّس محمدٌ حياته لمُحارَبة الظلم والجشَع والطُّغيان، لقد أدرك محمد أن الجزيرة العربية كانت على مُفترَق طرُق، وقد علم أن العادات القبليَّة لم تَعُد نافعة كمنهج حياة؛ لذلك قام محمد ببذل نفسِ وجهده لتقديم حلول وترسيخ منهجيَّة جديدة للحياة”.
وقال صاحب موسوعة الحضارة “ويل ديوارنت”: “إذا أردنا أن نَحكُم على العظمة بما كان للعظيم من تأثير في الناس، لقلنا: إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به حرارة الجوِّ وجدب الصحراء في دياجير الهمَجية. لقد نجح محمد في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يُقاربه فيه أي مُصلِح آخر في التاريخ كله، ومن النادر أن نجد إنسانًا غيره حقَّق ما كان يحلم به. فعندما بدأ محمد دعوته، كانت الجزيرة العربية عبارة عن قبائل مُتناحِرة غارقة في الشرك والوثنية، ولكنه عندما مات وتركها، صلى الله عليه وسلم، كانت أمة مُتماسِكة”.
هذا غيض من فيض تحدث به العديد من المنصفين الذين ينصرون نبي الإسلام، ولم يكن لديهم تعصب أو عنصرية مقيتة، تمنعهم من قول الحقيقة.
النصرة الحقيقية لخير البرية
لا بد من الإقرار أن مقام النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، لا يدانيه مقام في الدنيا، فقد وصفه خالقه بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، ومن ثمّ على المسلمين الصادقين، شعوبًا وحكومات، أن يقوموا بالدور المنوط بهم لنصرة نبيهم، ومواجهة المسيئين إلى جنابه، والتحرك لرد هذه الهجمة الشرسة على الإسلام ورسوله بشتى السبل والوسائل، وهي كثرة، منها:
أولًا: الاهتمام بتطبيق وامتثال أخلاق النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم في سلوكنا وأفعالنا، من خلال معايشة سيرته، والتحلي بأخلاقه في حياتنا، وهذا هو السلوك العملي لنصرة نبينا، وإذا غضبنا نغضب كما علّمنا، دون تخريب أو قتل أو إهدار للمال العام، فهذا يُغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: قيام الحكومات العربية والإسلامية بالضغط على الهيئات الدولية كالأمم المتحدة، وغيرها، لسن قوانين تحمى المقدسات والأنبياء والرسل، والتهديد بالمقاطعة لحكومات الدول التي تصدر بها هذه الإساءات سياسيًا واقتصاديًا، إذا كان رد فعلها تجاه الأزمة سلبيًا.
ثالثًا: ومن واجبات الشعوب، حيال هذا الأمر، أن يقوموا بمقاطعة بضائع كل من تجرّأ على سبّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو إهانته، وهذا أقل القليل المتاح، وواجب الحكومات المقاطعة السياسية، بسحب السفراء لدى تلك الدول، وإغلاق سفاراتها لديهم إذا لم يحاسبوا كل من يهين الأديان أو يسئ إليها.
رابعًا: إقامة المؤتمرات والندوات في كل مكان من أرض الله لمعالجة هذه القضية، وعرض نصاعة السيرة المشرّفة، وعظمة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، من خلال الخطب، والمقالات والمؤلفات المترجمة للغات عدة، والسعي لإنتاج فيلم عالمي للتعريف بسيرته وحياته، صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: الاحتجاج والتعبير عن الغضب أمام السفارات والمنظمات الدولية، نصرة للإسلام ونبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم، والقيام بحملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، والبرامج التليفزيونية، إن تيسر ذلك، لفضح عنصرية من يهاجم نبي الإسلام، وكشف ازدواجيتهم البغيضة في التعامل مع الدين الإسلامي.
سادسًا: استنكار كل ممارسات التقارب، والتبادل التجاري بين بعض الأنظمة العربية والحكومة الهندية، ودعوة دول الخليج لاستبدال العِمالة الهندية بأخرى من دول إسلامية، حتى يكون ذلك رادعًا لهم، بأن المقدسات الإسلامية خط أحمر لا يجب الاقتراب منه.
وفي الختام: أقول لعل هذه الهجمة المنظمة على الإسلام ونبي الإسلام، توقظ الشعوب العربية والإسلامية من سباتها العميق للتمسك بدينها، والدفاع عن مقدساتها، والذود عن نبيها.
كما أنها دعوة للعقلاء لمحاصرة التعصب والإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد واستفزاز الشعوب، وعدم الاغترار بالقوة المادية المتاحة اليوم لطرف من الأطراف، لأن الظلم يسبب الدمار والخراب.