منذ ما يقرب من عامين كتبت مقال بعنوان: (المعارضة المصرية ومُعضلة غياب الرؤية) حاولت فيه طرح بعض الأفكار التي يمكن أن تفيد في دفع المعارضة المصرية، وخصوصًا المتواجدة في الخارج إلى أن تقوم بأدوارها الطبيعة وبشكل مستمر، إلا أن الواقع لم يشهد السعي المطلوب بل ازدادت الأمور تعقيدًا.
وكنت أتمنى أن يكون قتل الرئيس محمد مرسي محركًا كبيرًا للم شمل هذه المعارضة المنقسمة على نفسها، لمواجهة هذا النظام الذي استحل كل شيء، سواء قتل المعارضين، أو تعذيبهم في السجون، وإهانة ذويهم وتعذيبهم أيضًا؛ ولكن للأسف الأمور تزداد سوءًا وتشتتًا.
وهذا يزيد من محاولات النظام المصري المتواصلة في إجهاض أي جهد سواء بالتشويه، أو بالقتل والتدمير، مما دفعه إلى قتل أول رئيس مدني منتخب في مصر بشكل ديمقراطي، وعشرات المعتقلين الذين يموتون بالإهمال الطبي المتعمد بشكل مستمر.
أزمة المعارضة المصرية
قلت، سابقًا، إن المعارضة المصرية في الخارج بكل أطيافها وأصنافها تشهد، في الغالب، ضعفًا عامًا أصاب مفاصلها وأعضائها وشلّ حركتها، ولم تعد قادرة على أداء الدور المنوط بها، وتمثل ذلك في التالي:
أولًا: غياب الرؤية الجامعة؛ التي يتوافق عليها الجميع، وكل من ينادي بإزاحة النظام الاستبدادي الذي جثم على صدر مصر لعشرات السنين، ويزداد كبرًا واستعلاءً، طالما الأمور تسير بنفس الوتيرة، وهذا التفكك الملحوظ.
ثانيًا: عدم الوعي بطبيعة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وفي القلب منها مصر؛ فنجد أن العديد من المعارضين، إلا من رحم، منشغل بقضايا فرعية، لا يمكن أن تفيد بشكل من الأشكال في حلحلة نظام مستبد يجد من يعاونه ويسانده، فلم يعد هناك من يُشخِّص الواقع، ولا من يستشرف المستقبل، بشكل يتلاءم مع قدر وعِظم التحديات التي تواجه المنطقة، من السعي الحثيث لتقسيمها، وإضعافها لكي تكون لقمة سائغة للعدو الصهيوني.
ثالثًا: حالة التشهي إلى التفكك والانقسام؛ فالغالب في السياق العام أنه حينما يتشكل تكتل أو مجموعة للتقارب فيما بينها، تجد من يخرج ليشتت الجهود ويصرف الأنظار إلى قضايا فرعية، وأمور هامشية، ناهيكم عن الاتهامات المتبادلة التي لا يراعى فيها أحيانًا الخصوصية، وينقلب الأمر من السعي للتحرك نحو تجميع الجهود وتوحيدها إلى التخوين والاتهام بالعمالة.
والمشكلة الجوهرية أن من يتهم فلان أو يُخوِّن علان، يعتقد أنه على كامل الصواب، وغيره على باطل على الدوام، طالما أنه بعيد عن الصورة ولم يشارك أو يُدعى!
أزمة قيادة أم أزمة رؤية؟
ذكر كل من (Danny Cox, John Hoover) في كتابهما (القيادة في الأزمات) ص445-446 أهم عشر صفات يجب أن تتوفر في قائد الغد:
1- على قائد الغد أن يكون منظمًا، ويعرف كيف يقوم بإيجاد أولوية ويعمل على تفعيلها.
2- عليه أن يُنشئ نمطًا من النمو لا يتوقف.
3- عليه أن يمتلك فهمًا جيدًا للأشخاص.
4 – أن يقوم بالترحيب بالأفكار، ووجهات النظر الجديدة.
5 – أن يكون لديه وعي قوي لروح الفريق والجهد الجماعي المنظم.
6 – أن يكون منصفًا للآخرين، بالإضافة إلى احترامهم.
7- أن يمتلك ثقة عالية بالنفس وعطشًا للمعرفة بشكل فطري.
8- أن يكون ذا لياقة جسدية وذهنية عالية.
9- أن يقدر التفكير الخلّاق، ولا يخاف من الخوض في المجازفة.
10- أن يكون مستعدًا للاعتراف بالخطأ، وأن يقوم بإحداث التغيير عند الحاجة.
من خلال النقاط العشر السابقة نجد أن الأزمة الأساسية، في تقديري، تتمثل في نمط القيادة التي يجب أن يكون لها الدور الأكبر في المساهمة في حل المشاكل، والاستفادة بالطاقات المتاحة، وتوظيفها بالشكل الأمثل.
فإذا تواجدت القيادة التي تستطيع إدارة الأزمة، بشكل صحيح، سيكون سهلًا عليها وضع الرؤية بالشكل الأفضل والأمثل، بما يتناغم مع طبيعة المرحلة، وحينما يرى الأتباع أو الأفراد أن تلك القيادة تبذل قصارى جهدها في حُسن توظيف كل الطاقات مع الرؤية الشاملة لمواجهة الأحداث، أظن الأمور ستتغير، وتتحول المسألة من النقد الدائم للقيادة إلى دعمها والوقوف بجانبها.
نحو مشروع وطني للمعارضة المصرية في الخارج
ذكرت مرارًا أن التعامل مع الأفكار بالشكل الجيد سيفيد في حل المشاكل، وأزمة المعارضة المصرية أنها لا تعرف من أين تبدأ، أو ربما تعرف ولكنها تتكبّر على المواجهة الحقيقية، أو تتجاذبها الأيدولوجيات المختلفة، وأحيانًا الأهواء والمنافع الشخصية، ومن ثمّ تكون النتيجة باهتة، وغير مؤثرة. وعليه أرى أن الواجبات التي تفرض نفسها في هذه المرحلة تتمثل في التالي:
أولًا: أن نُري الله من أنفسنا خيرًا، بتقارب الصفوف بشكل حقيقي، وخصوصًا داخل التكتلات الكبرى؛ فمن الطبيعي أن تتواجد الاختلافات الفكرية الناتجة عن اختلاف الأيديولوجيات، ولكن عدم قدرة المعارضة المصرية على الاصطفاف برغم هذه الاختلافات، وعدم قدرتها على ترتيب الأوراق، والتركيز على الأهداف المشتركة يعوقها عن التقدم، خاصة أن دور المعارضة المصرية ليس سهلًا مطلقًا في وجه نظام يمتلك كل شيء، ومعه كل أوراق الضغط، ومدعوم دوليًا وإقليميًا.
ثانيًا: وضع رؤية شاملة لإنقاذ مصر؛ يتفق عليها كل فصائل المعارضة المصرية في الداخل والخارج، بكل أشكالها، وعدم استثناء أحد، وهذه مسألة في غاية الأهمية، لأن غياب الرؤية المتكاملة التي تتعامل مع كل القضايا، وتكون مدروسة بشكل جيد، سيكون لذلك أكبر الأثر في عدم التأثير في الواقع المحلي الداخلي، أو الواقع الإقليمي والدولي.
ثالثًا: الاستفادة الحقيقية من مراكز البحث المتخصصة في وضع تلك الرؤية؛ فللأسف معظم التكتلات والأفراد الذين يريدون إحداث التغيير، لا يقرأون التاريخ جيدًا، وإن قرأوه لا يستفيدون منه بالشكل المطلوب، وتظل المسألة مُنحصرة في أفكار عامة يُعتمد فيها على عنصر الثقة بعيدًا عن الكفاءة المطلوبة، ومن ثمّ وجب الاعتماد على المتخصصين في وضع الرؤية المناسبة.
رابعًا: الاستفادة الفاعلة من طاقات الشباب المُهدرة، وحُسن توظيفها وتوجيهها؛ فالملاحظ أن قيادات المعارضة في الخارج لا تُحسن الاستفادة من أفكار وطاقات الشباب بالشكل الأمثل، ومن ثمّ نجد هذا البون الشاسع في طريقة التفكير بين القيادة والشباب، وامتعاض معظم الشباب المستمر من المآسي التي تسببت فيها القيادة، دون وضع حلول مناسبة.
خامسًا: حُسن استخدام ملف المعتقلين على المستوى الإنساني والحقوقي والسياسي إلى آخره، لإيجاد سبيل لخروجهم، هذه المسألة في غاية الأهمية، لأن نظام السيسي الاستبدادي يوظفها بطريقة مهينة جدًا ويستبيح كل شيء للانتقام من معارضيه المسجونين بتهم ملفقة، وفي المقابل الجهد المبذول من المعارضة دون المستوى، وأحيانًا تتعارض الجهود وتتقاطع، نتيجة للاختلافات البينية بين التكتلات، وعدم الاستعانة بالمختصين في هذا الشأن.
سادسًا: الرفع من الأداء الفاعل على المستوى الدولي للسياسيين والنخب، وخصوصًا الشباب، والبرلمانيين، والوزراء السابقين؛ فالملاحظ أن هناك عددًا كبيرًا ممن كانوا في برلمان 2012 خارج مصر، وبعض الوزراء في حكومة الدكتور هشام قنديل أثناء حكم الدكتور مرسي، ولكن للأسف لم يتم الاستفادة منهم بالشكل الكافي، ومن ثمّ وجب الارتقاء بهم من جانب، والاستفادة بحيثيتهم من جانب آخر، مع الشباب والشخصيات المستقلة.
سابعًا: الاستمرار في توعية الشعب المصري بكل الوسائل المتاحة، بطريقة يفهمها ويستوعبها، فغالب الأحيان المعارضة المصرية تتحدث مع نفسها وأعضائها، ولا تهتم في غالب الأحيان بالقضايا التي تتلامس مع المواطن المصري، وخصوصًا الاقتصادية، ومن ثمّ وجب دراسة واقع الشعب المصري ووضع الحلول التي تجعله يتفاعل مع تلك المعارضة.
ثامنًا: مخاطبة الآخر (الشعوب والمنظمات الدولية) بلغته لا بلغتنا؛ وهذه أزمة حقيقية، فبدلًا من الاستعانة بذوي الشأن في التعامل مع المنظمات والهيئات والسياسيين في الغرب بلغة يفهمونها، يتم الحديث معهم بتغليب الجانب العاطفي فقط، وهؤلاء لا يفهمون إلا لغة المصالح، وعليه يجب إبراز أن ما يقوم به السيسي في مصر سيؤثر على مصالحهم، ويؤدي إلى تفجير المنطقة برمتها.
تاسعًا: التركيز الدائم على المشتركات وروح يناير، ونبذ كل الخلافات المُصطنعة؛ فكان من أسباب نجاح ثورة يناير وحديث العالم عنها أنها شملت الجميع دون استثناء، ولم تظهر الخلافات الشخصية، أو الأيدلوجية بهذه الصورة الفجّة التي نراها اليوم، ومن ثمّ على المعارضين لنظام السيسي أن يتناسوا خلافاتهم البينية، ويهتموا بتوحيد الصف والرؤية.
عاشرًا: وضع رؤية إعلامية مشتركة بين القنوات ووسائل التواصل التي تمثل الثورة، وتتناسب مع طبيعة المرحلة، مع الاستخدام الأمثل للإمكانيات المادية المتاحة، وترشيدها بما يصبّ في المصلحة العامة، من خلال التنسيق المستمر والواعي لأهمية الإعلام المقاوم، والسعي لنقل مطالب الشعب المصري، ولا يكونوا رد فعل، بل يجب أن يغلب عليهم الأسلوب الذي يفيد المواطن البسيط ويلمس احتياجاته، دون تهويل أو تبسيط.
وفي النهاية أتصور أن أكبر مشكلة تواجهها المعارضة المصرية هي مشكلة التشتت، والانقسام الحاد الناتج عن اختلاف الأولويات، ومن ثمّ إن لم تُحل هذه المعضلة، فلن يكون لهم أدنى تأثير في الواقع المحلي والإقليمي والدولي، بل سيستمر نظام السيسي الاستبدادي في غيّه، والقضاء على المعارضة نهائيًا بكل أشكالها، وخصوصًا بعد إطراء ترامب له على هامش اجتماع مجموعة السبع الأخير في فرنسا، بقوله: “أهنئك على التقدم الذي حققته مصر تحت زعامتك”!
هذه أفكار أولية تحتاج إلي المخلصين لتحقيقها، والسعي الدائم للاستفادة من الطاقات، والإمكانيات الهائلة المتاحة، والتي من الممكن أن تغير المعادلة لصالح مصر وشعبها، برغم كل الصعوبات والتحديات. اللهم بلغت اللهم فاشهد.