د. جمال نصار
فضّل الله الأيام على بعض، وفضّل الشهور على بعض، وفضّل الناس بعضهم على بعض، وجعل التقوى هي المعيار الأهم في القُرب منه، سبحانه وتعالى: (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).
لذا وجب على كل مسلم ومسلمة الاهتمام بالقدر الكافي بالتقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم بالطاعات، من قراءة القرآن، والصلوات في أوقاتها، والذكر، والاستغفار، وقيام الليل، والحرص على السنن الواجبة والمستحبة، لأن الفرض فيه بسبعين فيما سواه، والسنة كالفريضة فيما سواه، ولذلك حثّنا النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، في هذا الشهر على الاستفادة منه، حيث قال: (أتاكم شهرُ رمضانَ شهرٌ مباركٌ فرض اللهُ عليكم صيامَه تُفتَّحُ فيه أبوابُ السَّماءِ وتُغلَّقُ فيه أبوابُ الجحيمِ وتُغلُّ فيه مردةُ الشَّياطينِ للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ من حُرم خيرَها فقد حُرم)، ومن ثمَّ عمل الخيرات، وترك المنكرات يعود بالفائدة العظيمة على الإنسان، لعظم الوقت وأهميته، ولأنه تُضاعف فيه الحسنات، وتُمحى فيه السيئات.
والهدف العام من الصيام هو التمسك بالأخلاق الكريمة، وقد بيّن لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يمكن أن يُفسد الصوم من الأخلاق الذميمة، فقال، صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق)، والرفث هو التكلم بالكلام البذيء السيئ، الفاحش.
ولكن اللافت في سلوكيات وأخلاق بعض المسلمين أنهم ينْصرفون عن الاستعداد الحقيقي لشهر القرآن، إلى الاستعداد المزيّف، فنجد البعض يبحث عن العروض والتخفيضات في الطعام والشراب، ويرتّب العزومات والولائم، المليئة بكل أنواع الأطعمة ما طاب منها وما لذّ، كأن هذا الشهر خُصص لكثرة الطعام، والملهيات من المسلسلات والأفلام. وهذا الفعل، في يقيني، يدخل في سوء التقدير للأوقات، والغفلة، وعدم استغلالها على الوجه الأمثل، ويُعتبر من الحماقة تضييع هذه الفرصة العظيمة في غير فائدة.
ومن الأخلاق التي يجب أن يتمثّلها كل مسلم ومسلمة في هذا الشهر العظيم، خُلق الجود، والكرم، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، “كانَ أجْوَدَ النّاسِ، وأَجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ”. والكرم إن كان بمال فهو جود، وإن كان بكفِّ ضرر مع القدرة فهو عفو، وإن كان ببذل النفس فهو شجاعة، ومن صور الجود والكرم: العطاء من المال، ومِنْ كل ما يمتلك الإنسان من أشياء يُنتفع بها، وكل مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، أو أي شيء مادي يمكن أن يفيد الآخرين.
والعطاء من العلم والمعرفة، وهذا باب واسع، ويمكن للمعلم والأستاذ أن يفيض على طلابه بالعلم والمعرفة، ولا يبخل عليهم، فيبذل علمه الذي جعله الله تعالى وديعة عنده.
وكرم النصيحة، فالإنسان الجوّاد، كريم النفس، لا يبخل على أخيه الإنسان بأي نصيحة تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نصحه الذي ينفعه مبتغيًا به وجه الله تعالى.
والكرم والعطاء من طاقات الجسد وقواه، فالكريم يعطي من معونته، ويعطي من خدماته، ويعطي من جهده، ويميط الأذى عن الطريق والمرافق العامة، ويمشي في مصالح الناس، ويتعب في مساعدتهم، ويسهر من أجل معونتهم وخدمتهم، إلى سائر صور العطاء والكرم من الجسد.
ومن أخلاق المسلمين أيضًا في شهر الصيام، عدم الغيبة والنميمة، فمن صام في نهار رمضان، ولم يصم لسانه عن غيبة الآخرين، وهتك أعراضهم، ولم تصم يده عن إيذاء الآخرين والنيل منهم، ولم يصم قلبه من الأحقاد والغلِّ على إخوانه المسلمين، فإنَّ صيامه ناقص، وفيه تفريط كبير لحدود الله.
هذه الصور من الجود والكرم يتضاعف أجرها في رمضان، وتعود على صاحبها بالخيرات والفتوحات في الدنيا، والمغفرة والمثوبة في الآخرة، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وكما قال الشاعر:
أهل الخصوص من الصُوّام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذبِ
والعارفون وأهل الأنس صومهم صون القلوب عن الأغيار والحجبِ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.