د. جمال نصار – الشرق القطرية
العفة: هي كف النفس عمّا لا يحلّ، وضبطها عن الشهوات، فهي حالة متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط في الشهوة، والجمود الذي هو تفريط فيها، والعفة شرط في كل فضيلة، فلولاها لصارت الفطنة مكرًا ودهاءً، والشجاعة تجاوزًا للهدف، والعدالة نوعًا من الظلم، إنها تنظم الشهوات وتخضعها لحكم العقل.
والقرآن الكريم يدفع المؤمنين إلى امتثال خلق العفة، يقول تعالى: (وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةً وَسَاۤءَ سَبِیلًا)، وقال: (قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ).
وهكذا نجد أن القرآن الكريم يحث أتباعه على تجنب الزنا والفاحشة، وحفظ الفرج، وغضّ البصر عن النظرة الحرام، ويُحرِّم كل اتصال جنسي بين الرجل والرجل، والمرأة والمرأة بأي طريق كان، فالإسلام يُحرّم المثلية تحريمًا مطلقًا.
وحثّ النبي، صلى الله عليه وسلم، الشباب على الزواج، فقال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
بعد كل هذه الكفالات للعفة يصبح من المنطقي إيقاع عقوبة رادعة بالزناة، وخاصة المحصنين منهم؛ وهذا هو بالتدقيق ما تفعله الشريعة الإسلامية بهم، فالمحصن يرجم حتى الموت، وغير المحصن يجلد مئة جلدة، يقول عز وجل: (ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰحِدٍ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةٍ).
فالزنا اعتداء فاحش على الآخرين، وليس مجرد رذيلة، ولهذا شدد الإسلام على القذف، أو الاتهام الباطل بالزنا، فجعل عقوبة القذف ثمانين جلدة، يقول تعالى: (وَٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَأۡتُوا۟ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاۤءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَـٰنِینَ جَلۡدَةً وَلَا تَقۡبَلُوا۟ لَهُمۡ شَهَـٰدَةً أَبَدًاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ).
فالزنا يلحق أضرارًا عديدة وخطيرة بالآخرين، فالزوج حين يزني ينكث عهدًا، يتضمنه عقد الزواج، وهو عهد خطير؛ لأن موضوعه العِرض لا المال، أو أي عرض آخر محدود القيمة.
ولذلك نجد أن الإسلام أوْلى خلق العفة أهمية كبيرة، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف).
وللعفة صور عديدة، منها:
أولًا: العفة عمّا في أيدي الناس: وهي أنيعفّ الإنسان عمّا لدى الناس، ويترك مسألتهم، فعن ثوبان، رضي الله عنه، قال، قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من يكفل لي ألّا يسأل الناس شيئًا وأتكفل له بالجنة، فقال ثوبان أنا فكان لا يسأل أحدًا شيئًا).
ثانيًا: العفة عمّا حرّم الله: وهي أن يعف الإنسان عن المحرمات والفواحش، ومن أبرز الأمثلة على ذلك عِفّة نبي الله يوسف، عليه السلام، حيث وُجدت أمامه دواعي الفتنة، ولم يستسلم للتهديدات والإغراءات، قال تعالى: (وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَاۤ أَن رَّءَا بُرۡهَـٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَ ٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلۡفَحۡشَاۤءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِینَ).
ثالثًا: كف اللسان عن الأعراض: فيجب على المسلم كفّ لسانه عن أعراض الناس، وألّا يقول إلا طيبًا، فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).
أنواع ضبط النفس:
لا يقتضي ضبط النفس القضاء على الرغبات والشهوات، وإنما يقتضي تهذيبها واعتدالها وجعلها خاضعة لحكم العقل، ففي القضاء على الشهوات القضاء على الشخص وعلى النوع، وفي اعتدالها سعادتهما جميعًا.
ومن أهم أنواع ضبط النفس:
أولًا: ضبط النفس عند العضب: فمذموم أن يكون الإنسان سريع الغضب، يخرج عن عقله للكلمة الصغيرة، والسبب الحقير، ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
ثانيًا: ضبط النفس عن الاسترسال في الانقباض والسخط: لأن ذلك يُكدّر صفو الحياة، ويرى بعض الناس أنه لا أحد أسوأ منه بسبب المعاناة التي يعانيها، وهذا يعتبر من الساخطين المتشائمين.
ثالثًا: ضبط النفس عن الاسترسال في الشهوات الجسمية: فهي شر ما يقع فيه الإنسان، ويفسد عليه حياته، وطريق الاحتياط لذلك عدم التعرّض للمغريات، فلا يجالس المستهترين، ولا يقرأ الروايات المثيرة، ولا يغشى أماكن اللهو، ويجب أن يصحب من قويت شخصيتهم، ونظف لسانهم، وطهرت روحهم.
رابعًا: ضبط الفكر: فلا يتركه يهيم في كل واد، ويتجول في كل مجال، فالفكر إذا حام حول الشرور يوشك أن يقع فيها.