د. جمال نصار – الشرق القطرية
كتب أحدهم ممن يدّعي الثقافة والمهنية في الإعلام؛ مقالًا في صحيفة سيّارة بعنوان: “هذه هي الطريقة للتخلص من حماس”، وربط بين وجود نتنياهو في السلطة وحماس، كأنهما قرينان، فوجود أحدهما هو تابع للآخر!
أقول إن هذه الثقافة منتشرة في العديد ممن يؤمنون بالتبعية الخالصة للغرب، فالمسألة ليست محصورة فقط في بعض الأنظمة السياسية التي تريد التخلص من حماس، لأنها عرّتها أمام شعوبها والعالم، ولأنها تقول شيئًا في العلن وتفعل غيره في الخفاء، فالأمر انتقل بالتبعية للجوقة ومُدّعي الثقافة، الذين يقتاتون من التبعية لكل ما هو غربي، ويرون فيه النموذج الأمثل للحياة، وأن السعي لتحرير الأوطان من الاحتلال أو الاستعمار بكل أنواعه، يعتبر من الإرهاب والتطرف!
ومما قاله إن: “نتنياهو مسؤول عن نموّ حماس، والجهاد الإسلامي. كان هو من يسلّمهم حقائبَ الأموال، بعد اقتطاع حصته منها؛ بحجّة رغبته في السيطرة على التمويل الذي يذهب لهم!”
ولم يكتف بذلك، بل قال إنها تشبه القاعدة، رجال ذوو لحى طويلة، ونساء محجَّبات وجماعات تهدّد العالم على وسائط التواصل الاجتماعي”. ثم يقول بدون خجل: “في رأيي، لو لم يأتِ نتنياهو للسلطة الإسرائيلية، أو لم تَطُل به الإقامة فيها لما كان لـ”حماس” كل هذا التأثير”!
وهو بطبيعة الحال من الداعمين لكل معاني الاستسلام والتسليم لما يريدوه الكيان الصهيوني، فيقول: “لقد أقرَّ المجتمع الدولي اتفاقَ أوسلو وعليه أن يفي بوعوده، وإقامة دولة للفلسطينيين. دولة فلسطينية حتى لا توجد مثل “حماس”، وحتى لا يكون هناك خطر وجودي على الإسرائيليين”.
أقول لهذا المثقف الألمعي تريث قليلًا في أحكامك، وابتعد بعض الشيء عن عدائك لكل ما هو إسلامي، فالمسألة ليست في حماس كمكون فلسطيني، بل في تبرير وجود هذا الكيان الغاصب للأرض منذ العام 1948، وللأسف كل الدول العظمى بداية من بريطانيا، إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم هذا الكيان بكل السبل والوسائل، ويسير في فلكها العديد من دول الغرب، ومن يدور في فلكهم من الأنظمة العربية، يدعمون هذا الكيان بالسلاح والمال، والمواقف السياسية.
وأصل الحكاية أن (إسرائيل) دولة لقيطة لم يكن لها وجود من قبل، وتمّ ذرعها في المنطقة لاستنزاف خيراتها، ولكي تكون الخنجر الذي يطعنون به خاصرة الأمة كلها، ويهدرون مقدراتها ويدنسون مقدساتها. وعلى كل من يدّعي الوطنية أو الشرف معرفة هذه الحقيقة، فالمسألة كمن جاء له لص ليخرجه من بيته، فهل يترك له البيت، أو يفاوضه على جزء منه، أم يناضل ويجاهد من أجل استرداده، حتى ولو بعد حين؟
التضحية من أجل الأوطان ليست بالكلام المعسول، ولا باتهام الآخرين وسلب الوطنية عنهم، بل بالمواقف الصُلبة التي تُعبّر عن ذلك، والمجاهدة بكل الوسائل لتحرير الوطن، فكل من يرى غير ذلك لا بد أن يراجع موقفه، فالعاقبة لمن ضحّى وبذل، وليس لمن ادعى وبخل.
المسألة باختصار أن كل من يرى أن الثقافة الغربية هي المُخلّص لنا في كل شيء، والسير عليها هو السبيل للتقدم والرقي، لا يمكن أن يرى في حماس أو غيرها أنها حركة مقاومة لمواجهة المحتل، بل أمثال هؤلاء لا يرون غضاضة في العيش في كنف الإسرائيليين، والتطبيع معهم، ويرون غير ذلك تطرف وإرهاب، بدعوى التعايش مع الآخر!
بالله عليكم بعيدًا عن حماس أو غيرها، من يقوم الآن بالدفاع عن المقدسات، والسعي لتحرير فلسطين من دنس الصهاينة المعتدين، مع تخاذل الجميع والارتماء في أحضان أعداء الأمة؟ هذا الواجب هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، فمن يقوم به علينا دعمه بكل الوسائل المعنوية والعينية والمالية، لأنهم يقومون بما يجب على كل الأمة، وهذا هو حق النُصرة.
في النهاية أقول إن ما يريده هؤلاء من التبعية للغرب لن تجدي إلا كل الخسران المبين للمنطقة برُمتها، ولنستمع لما قاله المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، في مقاله: “الشرق الأوسط الجديد في التصور الأميركي الصهيوني”، يقول إنه “يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن 19 تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه”، ثم يتابع القول: “وهذا التصور للشرق الأوسط ينطلق من تصور أن التاريخ متوقف تمامًا بهذه المنطقة، وأن الشعب العربي سيظل مجرد أداة بيد معظم حكامه الذين ينصاعون انصياعًا أعمى للولايات المتحدة”.