د. جمال نصار
شهر رمضان شهر خير وبركة، حباه الله تعالى بفضائل كثيرة، منها: أن الله، عز وجل، أنزل فيه القرآن هدى للناس، ورحمة وشفاء للمؤمنين، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)
وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان أول ليلة من رمضان صُفِّدَت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة”.
لقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعرف الخلق بربه، وأعظمهم قيامًا بحقه، تدرّج في سلم الكمال البشري فبلغ مبلغًا يعجز عن فهمه أكثر العالمين، ومع أن الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر إلا أنه كان يقوم الليل حتى تتورم قدامه.
وكان، صلى الله عليه وسلم، يحتفل برمضان ويحتفي به وينبه أصحابه وأمته لفضيلة هذا الشهر وكيفية استقباله، واغتنام أيامه ولياليه دون إفراط أو تفريط، فيقول: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم”.
ولم يكن حاله، صلى الله عليه وسلم، في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان يومه في هذا الشهر مليئًا بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه بما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها الله بها، وميّزها عن سائر أيام العام، فقد كان، صلى الله عليه وسلم، أشد الأمة اجتهادًا في عبادة ربه وقيامه بحقه.
من هديه صلى الله عليه وسلم في نهار وليالي رمضان
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعجِّل الفطر، ويفطر على رطبات يأكلهن وترًا، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فحسوات من الماء، وكان يقول، صلى الله عليه وسلم: “لا يزالُ النَّاسُ بخَيرٍ ما عجَّلوا الفِطرَ، عجِّلوا الفطرَ فإنَّ اليَهودَ يؤخِّرون”.
ومن دعائه، صلى الله عليه وسلم، عند فطره، ما روي عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أفطر قال: “ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله”.
وأما السحور فكان يؤخره حتى ما يكون بين سَحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير، وكان من هديه تأخير السحور والمواظبة عليه، وحث أمته على ذلك وعدم تركه، فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السحور بركة”.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، وذلك لقول ابن عباس، رضي الله عنهما: “كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”.
وكان أحرص ما يكون على قيام الليل في رمضان، وقال، صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”، وكان، صلى الله عليه وسلم، يصلي إحدى عشرة ركعة، يطيل القراءة، كما ثبت من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة، رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول، الله صلى الله عليه وسلم، في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
وقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنه من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف من صلاته كُتِب له قيام ليلة كاملة، “من قامَ معَ الإمامِ حتى ينصرفَ فإنه يعدلُ قيامَ ليلة”.
وكان، صلى الله عليه وسلم، يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وكان من أسباب اعتكافه، صلى الله عليه وسلم، طلب ليلة القدر، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”.
وقد حث النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه على الاجتهاد فيها في الطاعات، فعن أنس، رضي الله عنه، قال: دخل رمضان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم.
ومن بين الأمور التي تُميّز حياة الرسول في رمضان، أنه كان، صلى الله عليه وسلم، يضرب المثل في الصبر على الجوع، ويُعلّم أمته أن رمضان ليس شهر أكل وشرب ولهو، كما هو الحال في كثير من بيوت المسلمين، وإنما يعلمهم، صلى الله عليه وسلم، أنه شهر عبادة وطاعة لله تعالى.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحسن الناس خلقًا، وحذّر من سوء الأخلاق بوجه عام، وخاصة في رمضان، فعن أبي هريرة، رضي الله، عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “الصيام جُنَّة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم”.
وكان يأمر بإخراج زكاة الفطر من رمضان، وكان يخرج إلى العيد ماشيًا ويصلي بالناس ركعتين، ثم يخطب في مصلى العيد، وما صلاها في المسجد قط، وكان يذهب من طريق، ويرجع من طريق ليشهد له الطريق ويسلم على أهله.
هذا بعض هديه، صلى الله عليه وسلم، في رمضان، وتلك هي طريقته وسنته فيه، فحريّ بنا أن نعرف لشهر رمضان حقه، وأن نقدره حق قدره، وأن نغتنم أيامه ولياليه، عسى أن نفوز برضوان الله، ويكتب الله لنا السعادة في الدنيا والآخرة، وما أحوجنا إلى الاقتداء بنبينا، صلوات الله وسلامه عليه، والتأسي به في عبادته وحياته، فالعبد وإن لم يبلغ مبلغه، فليقارب وليسدد، وليعلم أن النجاة في اتباعه، والفلاح في السير على طريقه، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)