د. جمال نصار – الشرق القطرية
الواجبات المنوطة بالشعوب والمؤسسات والهيئات والحكومات كثيرة لنصرة أهل غزة، وهناك ما هو مُستطاع، وله تأثير كبير على كل من يدعم الكيان الصهيوني، وعلى المحتل نفسه، وهذه الاستطاعة تتمثل في أن نغيّر من نمط حياتنا، فقد سيطرت علينا، للأسف، المنتجات الغربية في كل شيء، ولم نعد ننتج أقل القليل، حتى سجادة الصلاة، وغيرها كثير لا ننتجه، وإن لم نقف مع أنفسنا في هذه المسألة، فسوف تستمر التبعية في كل شيء.
وعليه وجب التفكير بشكل كبير في صناعة ما نريده من الغذاء والدواء والسلاح، ولا نتوانى في ذلك، لأن هذا هو بيت القصيد، ولتكن هناك الخطط على المستوى المؤسساتي، للسعي بكل قوة لإنتاج ما نحتاجه في بلداننا العربية والإسلامية، وأقرب مثال على ذلك حينما تمّ فرْض الحصار على دولة قطر في 5 يونيو/حزيران من العام 2017-2021، اتجهت قطر إلى التفكير بشكل جدي في إنتاج العديد من المواد التي تحتاج إليها وخصوصًا الغذائية، مع الاستيراد من بعض الدول الإسلامية مثل تركيا وغيرها، وأتصور أن المسألة ليست صعبة.
وهذا الموضوع لا بد أن تُستنفر فيه كل المؤسسات وتتبناه الحكومات التي تريد أن تحقق الاستقلال الوطني لها، أعلم أن المسألة ليس سهلة، ولكن الضغط الشعبي على الأنظمة والدول من الممكن أن يكون له الأثر في هذا السياق ولو بعد حين، ولا شك أن الرفض الشعبي للمنتجات التي تُستورد من الخارج، وخصوصًا، من الدول التي تدعم الاحتلال، سيدفع رجال الأعمال والمستوردين إلى التفكير ألف مرة في ذلك، لأنه كما يقولون رأس المال جبان.
فالمقاطعة إن لم تبدأ من داخلنا، ونقتنع بها، فلن يكون لها أي تأثير، نحن نريد أن تستمر هذه المقاطعة الاقتصادية، وأن نوجد البدائل المحلية لذلك، حتى لو لم نجد في هذه المرحلة، فمن أضعف الإيمان أن نمنع أنفسنا من هذه السلع التي تساهم بشكل أو بآخر في خدمة الصهاينة حِسبةً لله، وهذا هو أضعف الإيمان للوقوف بجانب أهلنا في غزة، وعدم استصغار، أو الاستهتار بمثل هذه الأفعال.
فالعالم الغربي بُني على الرأسمالية، ويُوجعه كثيرًا الخسائر الاقتصادية، ومن ثمَّ وجب السعي بكل السبل المتاحة لتكبيدهم خسائر هائلة في شيء لن يؤثر كثيرًا على حياتنا، نصرة لأهلنا في غزة، ووضع النواة الأولى في الاستقلال الوطني، لأن من يملك غذاءه، ودواءه، وسلاحه، في الغالب، لا يمكن السيطرة عليه، أو توجيهه بشكل كبير، ولتكن هذه هي البداية.
وإذا نظرنا إلى تاريخ المقاطعة الاقتصادية، ومدى تأثيرها سنجد أن من أبرزها وأشهرها ما قام بها غاندي ضد المستعمر البريطاني للهند في إطار ما سُمي آنذاك بحركة “سواديشي”، والتي هدفت إلى مقاطعة المنتجات البريطانية خاصة، والأجنبية عامة، والدعوة إلى شراء المنتوجات الهندية الوطنية بالإضافة إلى مقاطعتها لكل ما له علاقة بالمستعمر على كل المستويات الثقافية والفنية والسياسية.
إن فكرة المقاطعة الاقتصادية في الأساس وسيلة وطريقة سلمية لإحداث تأثير، وضغط حتمي على كل من يساهم أو يساعد في تمويل العدو الصهيوني بأي شكل من الأشكال، وهي وسيلة لا تكلفنا كثيرًا، ولا تحتاج إلى حمل سلاح أو أي عملية أخرى غير سلمية، وإنما تكفي القطيعة وعدم التعامل، أو عدم الشراء، أو عدم مشاهدة البرامج التلفزيونية التي تصُب في سرد الرواية الصهيونية.
ولا بد أن نعي أهمية الخسارة التي قد تحققها المقاطعة لكل من يدعم الكيان الصهيوني، وخصوصًا الشركات التي تظهر بكل وقاحة أنها تدعمه، وأصبحت كل هذه الشركات والمؤسسات معروفة، ومُعلن عنها على مواقع التواصل الاجتماعي، وما علينا إلا أن نبحث ونجتهد في ذلك، ونساهم في توعية الآخرين حتى تصل الرسالة قوية، وتكون خسارتهم المادية باهظة ومؤثرة بشكل ملموس.
(إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) (النساء: 104)