د. جمال نصار – الشرق القطرية
الوفاء بالعهد خلق إسلامي رفيع، يجب أن يتحلى به المسلم في جميع شؤونه، وفي تعامله مع الله، ومع الناس. وقد أمر الله، عز وجل، بالوفاء فقال تعالى: (وَأَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَٱلۡمِیزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُوا۟ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُوا۟ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام: 152)، وقوله: (وَأَوۡفُوا۟ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولًا) (الإسراء: 34).
وقد حثت السنة النبوية الشريفة على الوفاء بالعهد بشتى صوره، يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهدًا، ولا يشد عقدة أو يحلها حتى يمضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء)، وقال، صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير).
ومن صور الوفاء بالعهد والالتزام به:
أولًا: الوفاء بما أخذه الله على عباده من وجوب عبادته، وعدم الإشراك به، وهذا أعلى درجات الوفاء بالعهد، ويسميه البعض الوفاء بالعهد الأعظم، فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان بقدرته، ورباه بنعمته، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة.
ثانيًا: الوفاء بمبايعة الرسول، صلى الله عليه وسلم، على أعمال الطاعة، فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو الناس إلى الإسلام، يبايع الوفود المقبلة عليه بتعاليم يتخيرها من بين التعاليم الكثيرة التي حفل بها الدين على حسب ما يرى من طاقتهم النفسية والعقلية.
ثالثًا: الوفاء بالأيمان، يقول الله تعالى: (وَأَوۡفُوا۟ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُوا۟ ٱلۡأَیۡمَـٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِیدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَیۡكُمۡ كَفِیلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ) (النحل: 91).
فبين الله، عز وجل، أن الغدر ينزع الثقة، ويثير الفوضى، ويمزق الأواصر، ويرد الأقوياء ضعفاء واهنين، وبعض الناس يحلوا لهم استحلال حلّ العقود بعد عقدها، رغبة منهم في عقد آخر، يدرّ عليهم ربحًا أوفر، والدين الإسلامي لا يقر تدليس العهود والمواثيق جريًا وراء المنفعة العاجلة.
رابعًا: الوفاء بالحق مع المؤمن بالإسلام والكافر به، فإن الفضيلة لا تتجزأ، فيكون المرء خسيسًا مع قوم، كريمًا مع آخرين. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول: (لو دُعيت به في الإسلام لأجبت).
وعن عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (أيُّما رجُلٍ أمَّن رجُلًا على دمِه ثمَّ قتَله فأنا مِن القاتلِ بريءٌ وإنْ كان المقتولُ كافرًا). هذا البيان الحاسم، يكشف عن روح الإسلام في معاملة من لم يدينوا به، وأنه حريص تمام الحرص على عدم نقض العهود حتى مع المخالفين في الدين.
خامسًا: الوفاء بقضاء الدَيْن، وهو من الشؤون التي اهتم بها الإسلام، ونوه بقيمته، وفي الحديث (مَن أخَذَ أمْوالَ النّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ)، وعن أبي قتادة، رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رَسولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطايايَ؟ )فَقالَ له رَسولُ اللهِ، صَلّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ، صَلّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كيفَ قُلْتَ؟ قالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطايايَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: نَعَمْ، وَأَنْتَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلّا الدَّيْنَ، فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ قالَ لي ذلكَ).
وقد استهان المسلمون في عصرنا بالديون، فاقترضوها لأغراض ليست أساسية في حياتهم، واقترضوا بالربا الذي حرّمه الله، فكان من أثار ذلك أن نكبوا في ديارهم وأموالهم.
وهناك صور أخرى للوفاء منها: الوفاء بين الزوجين، والوفاء بالنذر، والوفاء بما التزم به الإنسان من بيع أو إجارة، والوفاء بالقسم، والوفاء بأجر الأجير، والوفاء بما تلتزم به الدول في العلاقات الدولية ما دامت لا تضر بالأمة الإسلامية.