أصبح من المعتاد أن يُقحَم الإسلام في النقاش والجدل بطريقة أو بأخرى، كلما وقع عمل إرهابي في أي مكان في العالم، أو فلنقل: في معظم الأعمال الإرهابية لكي نكون أكثر دقة. يحدث هذا الأمر حتى ولو لم يكن الفاعل مسلما، لأن أصابع الاتهام والشكوك باتت توجَّه بطريقة تلقائية نحو المسلمين، أشخاصًا أو جماعات، حتى قبل أن تتضح هوية الجاني وتُعرف دوافعه.
وإذا تتبعنا ظاهرة الأعمال الإرهابية بشكل عام، نجد أن هناك نماذج عديدة تشير إلى أن معظم أعمال العنف والإرهاب وقعت ضد المسلمين، ومن أعنف هذه الأعمال التي مارسها الغرب ضد المسلمين ما كان يُعرف باسم: “محاكم التفتيش” التي نشأت أولا في إسبانيا، ففي عام 1492م فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين. وكان أول عمل قام به الكاردينال “مندوسيه”، عند دخول الحمراء هو نصب الصليب على أبراجها وترتيل صلاة (الحمد) الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكا، وذلك تنفيذًا لرغبة السيد المسيح الذى زعم أنه ظهر له وأمره بذلك.
وتعقبت محاكم التفتيش كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصّره، فهام المسلمون على وجوههم فى الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الأسبانية تعليماتها للكاردينال “سيسزوس” بتصفية بقية المسلمين فى أسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة، وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكاما بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء، وتم تحويل مئات المساجد إلى كنائس أو اصطبلات للخيل أو مخازن، وصدر مرسوم بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب فى ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب فى جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية.
ومن المعروف – أيضا – أن أوروبا نفسها قد عانت الإرهاب الداخلي في النصف الثاني من القرن العشرين، كما حدث في أيرلندا وإقليم الباسك في أسبانيا، ولم تسلَم الولايات المتحدة الأميركية نفسها من الإرهاب الداخلي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، كما شهدت الساحة العالمية أعمالاً إرهابيةً أخرى في أماكن مختلفة، منها على سبيل المثال: إطلاق الغازات السامة في مترو الأنفاق في اليابان، ومقتل رابين في إسرائيل، وهدم المسجد البابري في الهند على أيدي المتطرفين الهندوس، وغيرها كثير.
على ذلك يتّضح أن الإرهاب قد تمارسه مؤسسات وأحزاب وطوائف وعِرقيات وحكومات وأفراد، ومن يُقصره على ديانة خاصة أو طائفة أو حكومة أو عِرق، يبتعد عن الواقع والحقيقة، من أجل تمرير مشاريع مشبوهة.
ومن تلك النماذج الكاشفة في التاريخ القديم والحديث:
-إعدام أكثر من مليون مسيحي مصري على أيدي الاحتلال الروماني لمصر قبل الفتح الإسلامي.
-إبادة 70 ألف مسلم بالقدس عندما اجتاحتها الجحافل الصليبية بعد أن وعدهم القائد الصليبي بالعفو إن استسلموا ثم غدر بهم!! في المقابل عفا صلاح الدين الأيوبي عن الصليبيين عندما فتح القدس.
-الإبادة الجماعية لعشرين مليون مسلم على يد جوزيف ستالين.
-إحراق روما على يد الطاغية نيرون.
-ضرب بغداد وأفغانستان وفيتنام باليورانيوم الناضب، وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز توزيع الخبز والمياه وغيرها من أماكن تجمُّع المدنيين بالعراق وأفغانستان، مما نتج عنه استشهاد مئات الألوف من المدنيين.
-إبادة عشرات الملايين من الأفارقة أثناء اختطافهم وتهجيرهم الإجباري من إفريقيا إلى أمريكا لاستصلاح الأراضي هناك والعمل في مزارع السادة البيض.. وكان جزاء من يتمرد على الرِّقِّ والتعذيب وإهدار الآدمية هو الإعدام فورا بلا تحقيق أو محاكمة من أي نوع!!
-الحربان العالميتان الأولى والثانية، نـجم عنهما مصـرع ما يتراوح بين 60 إلى 100 مليون شخص، والمذابح المروعة المتبادلة بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا كذلك.
-ضرب مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بالقنبلة النووية بواسطة طائرات أميركية ومصرع ربع مليون شخص وإصابة ملايين آخرين بالسرطان بسبب الإشعاع.
-مذابح دير ياسين وصابرا وشاتيلا ومدرسة بحر البقر وملجأ قانا وإعدام عشرت الألوف من الأسرى المصريين عامي 1956 و1967 على أيدي العصابات الصهيونية.
-قتل 250 ألف مسلم بوسني على أيدي الصرب والكروات، وعشرات الآلاف من الشيشان على أيدي الروس.
ولعل الدراسة التي قامت بها جامعة “متشيغن الأمريكية” مؤخرا، كشفت حجم ضحايا القرن العشرين من الحروب والعنف السياسي عقائديًا على يد المسيحيين والمسلمين.
وخلصت الدراسة إلى أن قتلى القرن العشرين 102 مليون قتيل.. قُتل منهم أقل من 2% على أيدي المسلمين فقط والـ98% الباقين قُتلوا على أيدي المسيحيين.
والغريب في الأمر أن الغرب المسيحي يتهم المسلمين بأنهم إرهابيين!
وبالتالي فإن محاولات بعض الأنظمة الدولية التنصل من ظاهرة الإرهاب وتحميلها جهة دون أخرى، يجافي الواقع والحقيقة، فالتاريخ السياسي الحديث يشير إلى عُمق المشكلة، فمن خلال تتبع بؤر التوتر والصراع في العالم، نجد أنه لا يمكن محاصرة تلك الظاهرة مع وجود تلك البؤر، فالمجتمع الدولي يتغاضى عمّا يحدث من انتهاكات للشعب الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية، والحروب الأهلية التي تحركها الأقليات العرقية والطائفية، في أماكن مختلفة من العالم، ومحاولة اللعب بورقة السُّنَّة والشيعة، والسماح بالتدخل في شؤون الدول، كل تلك المشاكل التي تتحرك ذاتيًّا تارة، وبتدخلات خارجية تارة أخرى، ودعم الأنظمة المستبدة في المنطقة، تُعدُّ بؤر توتر تساهم في انتشار ظاهرة الإرهاب.