كلمتي في تأبين العلامة القرضاوي الذي عقده الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
أحييكم جميعًا بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد فقدت الأمة الإسلامية أحد أبرز العلماء الذين عاشوا من أجل رفعة الإسلام، والسعي لنصرة قضاياه في كل ميدان. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
العلامة القرضاوي بحر كبير لا شاطئ له من العلم والمعرفة، والاجتهاد والفقه والدعوة إلى الإسلام، ويكفي ما قاله عنه أستاذه وأستاذ الجيل الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، في ندوة حضرها جمع كبير من العلماء، منذ عقود، حيث قال: “الحقيقة الشيخ يوسف، أشهد له، هذا رجل من أئمة الفقه، والحديث، والأصول، والاجتهاد، والأدب، والشعر، ومجموعة كفايات جعلها الله في رجل واحد”.
وأفضل تعبير عن امتزاج روح الشيخ بالإسلام، وحرصه على الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ما قاله، رحمه الله، قبل وفاته: “لا حياة لنا إلا بهذا الدين والدعوة إليه، وإشاعته في العالم، مشارقه ومغاربه”.
والشيخ، رحمه الله، كان حريصًا تمام الحرص، على إخراج موسوعته الجامعة (الأعمال الكاملة)، التي تحتوي على جميع مؤلفاته ومقالاته، ومحاضراته، في (105) مجلدات، مصنفة بشكل علمي رصين، والتي عمل عليها لسنوات قبل وفاته. وتأتي هذه الأعمال في أكثر من (75) ألف صفحة، موزعة على (13) محورًا
وأعتقد أن هذه الموسوعة ستشكل بعد صدورها وظهورها للنور القواعد العلمية الرصينة في الفقه والاجتهاد، وفروع الإسلام العامة والخاصة بمحاورها المختلفة، وسيستفيد منها كل العلماء، والفقهاء، والدعاة، والعاملين للإسلام في كل أنحاء العالم. وأتمنى أن تترجم هذه الموسوعة إلى العديد من اللغات الرئيسة حتى تنتفع بها البشرية جمعاء.
وأدعو كل المؤسسات العلمائية في العالم الإسلامي، والغرب إلى عقد مؤتمر سنوي للتعريف بجهود الشيخ في تجديد الفقه والاجتهاد، والدعوة إلى الله بالوسطية التي هي شعار الإسلام الأصيل، والتي كانت ديدنه في كل أعماله.
كما أدعو العلماء ومحبي الشيخ، ورواد الوسطية، والمفكرين في كل أنحاء العالم إلى تأسيس “مؤسسة العلامة القرضاوي في التجديد والاجتهاد وبناء العلماء”، على أن تكون وقفية، وأن تكون أهم خصائصها الاستقلالية التامة عن أي توجه سياسي، أو هوى سلطان، ويكون لها فروع عديدة في أنحاء العالم.
رحم الله أمامنا العلامة القرضاوي، وعوض الله الأمة عن فقده بما هو خير، وأجزل له المثوبة والأجر، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا فقد كان قدوة لكل الدعاة والعاملين للإسلام، ولم يبخل بوقته وعلمه لنصرة دين الله، فكان ولا يزال أنموذجًا فريدًا للمجاهدين بالعلم والمعرفة والبيان للإسلام، بمنهجه الوسطي القويم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. جمال نصار
أستاذ الفلسفة والأخلاق في تركيا