د.جمال نصار – الشرق القطرية
لا شك أن الأخلاق، كما أقول دائمًا، هي عمود الخيمة بالنسبة للحياة، بمعنى أنه لا يمكن أن تستقيم الحياة بدون التمسك بالقيم والأخلاق الحسنة، والبعد عن سوء الأخلاق والطباع المذمومة؛ لأن الأخلاق في النهاية كرائحة المسك تفوح بالخير على الآخرين، ويستفيد منها صاحبها ومن يتعامل معه، أما صاحب الأخلاق السيئة، مثل الكير (موقد الفحم)، فإما أن يحرقك، أو يصيبك منه الغبار السيء، وبطبيعة الحال سيتأثر بالسلب كل من يتعامل معه.
ولا بد أن نعلم أن هناك علاقة وطيدة بين الأخلاق وحياة الأفراد مع اختلاطهم بالآخرين، فإذا اتسم الفرد بالقيم والأخلاق، لا شك، أن ذلك سيكون له الأثر الإيجابي على نفسه، وعلى من يتعامل معهم، أما إذا كان غير ذلك، فلن يستقر الإنسان نفسيًا، لأنه يخالف الطبيعة التي خُلق وجُبل عليها، وسيكون ذلك ظاهرًا في تعامله مع الآخرين بسوء الأخلاق، والانحدار في التعامل.
والأخلاق السيئة يمكن أن تؤثر بعمق على مسار حياتنا الشخصية، وهذا قد يضر بسمعتنا مدى الحياة؛ وربما تؤدي أيضًا إلى تشويه صورتنا في الأماكن العامة، وإضفاء سمعة سيئة على العائلة التي ننتمي لها، فالأخلاق السيئة تؤثر على الحياة الاجتماعية الشخصية للفرد والمجتمع عامة، ويبدأ تأثير الأخلاق السيئة من المنزل الذي هو العائلة التي جاء منها الفرد.
فالأخلاق في الحقيقة تربي في نفوس الأفراد قيم الصدق، والعدل، والأمانة، والإخلاص، والحلم، والعفو، والوفاء، والإتقان في العمل، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، الأمر الذي ينمّي مهارات الأفراد، ويزيد من رغبتهم في تقديم الأفضل دائمًا.
أما على مستوى الأسرة، فنجد أن انحدار الأخلاق وغيابها يتمثل في غياب القدوة الحسنة داخل كل أسرة، فيجب على الأبوين أن يكونا مثالًا للقدوة الحسنة، وحثّ الأبناء الأكبر سنًا على أن يكونوا قدوة لمن هم أصغر سنًا داخل الأسرة الواحدة، فعادة يميل الصغار من الأطفال إلى تقليد أحد الوالدين، أو الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، فإن لم يكن الآباء والأمهات قدوة حسنة أحدهما أو كليهما، فسوف يكون مصير الأولاد سوء الأخلاق والعادات.
كذلك غياب قانون الثواب والعقاب داخل الأسرة، لأنه المفروض أن يُثاب الأبناء على السلوكيات الحسنة، ويعاقبوا على السلوكيات السيئة، أما الإهمال في هذا القانون الأُسَري سوف يدفع الأبناء لتقليد سلوكيات أخلاقية غير مثمرة وغير مرغوبة، وخصوصًا أن الإعلام والبيئة مليئان بذلك.
كما أن حالة العزلة التي يعيشها الأفراد داخل الأسرة الواحدة، قد يكون لها تأثيرًا سلبيًا على الأفراد، فحينما تجتمع الأسرة على مائدة الطعام يأوي كل فرد إلى وكره مما يُغيّب لغة الحوار الأسري والإرشاد، والنصح، وتقديم المشورة في مشاكل الأبناء، والكثير من الآباء يتعاملون مع الأبناء بالصراخ والنقاش الحاد المخيف مما يجعل الأبناء أحيانًا يتصرفون على طريقتهم الخاطئة والخاصة بهم على اعتبار أن الآباء والأمهات غير جديرين بعرض مشكلة ما عليهم، ومن البديهي أن المشاكل الأخلاقية متوفرة في الشارع، والمدارس، والجامعات!
وكذلك التطور التكنولوجي الهائل الذي خلق للشباب والشابات متاهات كثيرة، وعندما يتعمقون فيها يزدادون ضياعًا وخسرانًا مبينًا، فالشبكة العنكبوتية (الانترنت) مليئة بالمغريات والمتاهات التي قد تُفسد البالغين، ومن أخطر مظاهر التطور التكنولوجي المحطات الفضائية التي لا تحترم دين ولا أعراف وتُفسد، في أغلب الأحيان، من يداوم على مشاهدتها.
وقد يكون الدخل المتدني لملايين الأسر، سببًا في أن يهرب الشباب من سوء الحالة المادية ليرتكبوا أخطاءً قاتلة مميتة مثل: تعاطي المخدرات أو بيعها، أو حتى السطو والسرقة، أو غير ذلك من الأخلاق والممارسات الذميمة.
وعليه إذا أردنا الحفاظ على ذواتنا وأفرادنا، وأُسرنا من متاهات الضياع، فعلينا التمسك بالقيم والأخلاق الحميدة، وتجنّب الأخلاق والممارسات السيئة، وليكن رب الأسرة قدوة لأفراد أسرته، بما يحافظ على تماسكها، وصيانتها من كل سوء.