د. كمال أصلان – الشرق القطرية
تعتبر منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق توترًا في العالم، حيث تتداخل فيها المصالح السياسية، والأمنية، مما يجعل أي تصعيد عسكري له تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها. فخلال الأيام الماضية قامت إسرائيل بداية من 17 سبتمبر 2024 بتفجير الآلاف من أجهزة الاتصال (البيجر) التي يحملها عناصر من حزب الله في لبنان وسوريا، وأدت إلى مقتل العشرات، وإصابة الآلاف، جِراح بعضهم خطيرة، حسب ما أعلنته وزارة الصحة اللبنانية.
وجاءت هذه التفجيرات وسط دعوات في إسرائيل لشن حرب على حزب الله، وذلك بالتزامن مع تصاعد هجمات الحزب الصاروخية على مستوطنات الشمال، ومنها ما لم يسبق إخلاؤها من المستوطنين، وتبع ذلك غارات إسرائيلية متتالية على الجنوب اللبناني، مستهدفة قيادات عسكرية، لإرسال رسائل متعددة لحزب الله.
ولعل الهدف من التفجيرات محاولة لاستدراج حزب الله لرد واسع، وشامل، وغير تقليدي على إسرائيل، وبالتالي تبرر إسرائيل لنفسها، وللمجتمع الدولي أنها تتعرض لحرب، ومن ثمّ توسع دائرة عملياتها ضد الحزب، وهذا ما نشاهده ونتابعه في هذه الآونة.
ويبدو أن هذا التصعيد يعكس مزيجًا من الأهداف الاستراتيجية، والأمنية، والسياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من تعزيز الردع الاستراتيجي ضد حزب الله وإيران إلى تحسين الوضع السياسي الداخلي، وتعزيز الدعم الشعبي، ومع ذلك، فإن المخاطر والتحديات المترتبة على هذا التصعيد تظل كبيرة، وقد تؤثر على استقرار المنطقة، والعلاقات الدولية بشكل أوسع. ويمكن أن يكون لهذا الهجوم السيبراني تداعيات واسعة النطاق على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية. منها على سبيل المثال:
على المستوى الاقتصادي؛ تعرض القطاع المصرفي لاضطرابات كبيرة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل المستثمرين والمودعين، وبالتالي تقليص الاستثمارات الأجنبية، وتضرر البنية التحتية للخدمات العامة مثل: الكهرباء، والمياه، مما يزيد من معاناة المواطنين، ويُعطل الأعمال اليومية، كما يمكن أن تتعطل العمليات التجارية، وتؤثر على سلاسل الإمداد، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
وعلى المستوى السياسي؛ قد يؤدي هذا الهجوم إلى تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية، مما يساهم في عدم الاستقرار، وزيادة الاحتجاجات، وقد تستغل بعض الأطراف الإقليمية الهجوم لتعزيز مواقفها السياسية، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات بين الدول.
وقد يتسبب الهجوم في تعزيز المخاوف من تهديدات سيبرانية جديدة، مما يدفع الدول إلى تعزيز أمنها السيبراني، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة التعاون بين الدول لمواجهة التهديدات السيبرانية، مما يخلق تحالفات جديدة، أو يعزز الموجودة.
وعلى المستوى الاجتماعي؛ يمكن أن يساهم الهجوم في زيادة شعور المواطنين بعدم الأمان، وفقدان الثقة في الحكومة، مما يؤدي إلى انقسامات اجتماعية أكبر، ويزيد من معدلات الهجرة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، وتفاقم الأوضاع.
وعلى مستوى التداعيات الدولية؛ قد تتعرض الدول التي يُعتقد أنها وراء الهجوم لانتقادات، أو حتى عقوبات من المجتمع الدولي، مما يؤثر على علاقاتها، وستعيد العديد من الدول تقييم استراتيجياتها السيبرانية، والتعاون الدولي في هذا المجال.
وعلى مستوى الأمن السيبراني؛ ستدفع الحكومات، والشركات إلى تحسين استراتيجيات الأمن السيبراني، وتطوير قدراتها الدفاعية، كما تزداد البرامج التدريبية لرفع مستوى الوعي حول الأمن السيبراني بين الأفراد والمؤسسات.
وفي العموم فإن الهجوم السيبراني على لبنان يمثل تحديًا معقدًا يؤثر على جميع الأطراف في المنطقة وخارجها، وربما يزيد من حالة الشك، والارتياب من الأجهزة الإلكترونية بشكل عام، والهواتف الذكية بشكل خاص.
وربما يدفع العديد من الدول، وخصوصًا أصحاب الميزانيات الكبيرة للاهتمام بشكل أكبر بالأمن السيبراني، وتخصيص ميزانيات ضخمة للتسلح الإلكتروني، حيث تسعى كل دولة إلى تعزيز دفاعاتها الإلكترونية، وقدراتها الهجومية، وهذا يعنى أن الحرب الإلكترونية أصبحت جزءًا من استراتيجية الأمن القومى للعديد من الدول، باعتبارها أداة أساسية للتجسس، والاستخبارات، والهزيمة فى المعارك الدامية.