د. جمال نصار – الجزيرة نت
قرار مجلس الوزراء المصري قبل نحو أسبوعين بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ستكون له تداعيات قانونية وسياسية واجتماعية على مصر والمصريين حال تفعيله.
ويتضمن الإعلان -الذي جاء إثر مقتل 16 شخصا وإصابة العشرات في تفجير مبنى مديرية الأمن بمحافظة الدقهلية- توقيع العقوبات المقررة قانونا لجريمة الإرهاب على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى وكل من يمول أنشطتها.
وبحسب بنود “مكافحة الإرهاب” التي أضيفت إلى قانون العقوبات المصري في العام 1992 تصل عقوبة أعمال الإرهاب إلى الإعدام حالة إمداد المنظمة الإرهابية بالسلاح والأموال، كما يعاقب بالأشغال الشاقة على تكوين المنظمات الإرهابية أو قيادتها أو الترويج لها.
وقبل الحديث عن تداعيات القرار وأثر ذلك على المجتمع المصري، لابد من الإشارة إلى أمرين:
الأول: أنه لم يتم حسم الفاعل الحقيقي من خلال جهات التحقيق المختصة، في حين أن “جماعة أنصار بيت المقدس”، التي تنشط في شمال سيناء، أعلنت مسؤوليتها عن التفجير، حسب ما ورد في صحيفة الأهرام القاهرية بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقلا عن وكالة رويترز.
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن المسؤولين في الحكومة المؤقتة أعلنوا أكثر من مرة أن جماعة الإخوان المسلمين بعيدة عن الإرهاب، وهو ما صرح به حازم الببلاوي نفسه في أوقات سابقة، حيث قال “ليس منطقيا وصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية”.
ويذهب البعض إلى أن هذا القرار يعتبر أقصى درجات الخصومة السياسية مع الجماعة من قبل معارضيها الذين فشلوا في منافستها على المستوى السياسي في الانتخابات المتعاقبة منذ سنوات.
الأمر الثاني: باستقراء تاريخ جماعة الإخوان المسلمين -بعيدا عن المزايدات- نجد أنها تنكر العنف بكل أشكاله، وهذا واضح في كل أدبياتها، وكل الوقائع التاريخية التي تتهمها بأعمال قتل أو إرهاب أو عنف لم تثبت بشكل قانوني، ولكنها كانت ادعاءات سياسية للخصوم على مدار تاريخها.
وكذلك نجد على مدار تاريخ الجماعة الطويل أنها جزء أصيل من نسيج المجتمع المصري ولا يمكن فصلها عنه، فنراهم في كل مؤسسات الدولة، كما أن لهم دورا ملحوظا وبارزا في تأسيس العديد من الجمعيات الخيرية، سواء على المستوى الاجتماعي الخدمي أو الطبي أو التعليمي أو الإغاثي.
أما تداعيات هذا القرار من الناحية القانونية، فحين يتحول هذا الإعلان إلى قانون ويأخذ الصفة الرسمية بنشره في الجريدة الرسمية يصبح قرارا إداريا يجوز الطعن عليه، وعندها تحكم المحكمة الإدارية والمحاكم الأخرى ذات الصلة وتفصل في الأمر إما بالرفض أو بالقبول.
ونجد أن أحد المحسوبين على النظام الحالي ولديه خصومة مع الإخوان، وهو مدير المجموعة المتحدة للمساعدة القانونية نجاد البرعي، يقول إنه “لن يكون لهذا الإعلان تداعيات على المعتقلين أو تشديد العقوبات عليهم، فهو إعلان سياسي ولن يكون له أي أثر في البناء القانوني المصري، وسينعكس هذا الإعلان في صورة إطلاق يد الحكومة في تجميد أموال الجماعة وأنصارها بشكل أكبر وملاحقة الأموال في الخارج إذا وافقت الدول الخارجية المعنية على هذا القرار”.
وهناك رأي آخر تبناه عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة محمود كبيش أنه ليس هناك ما يمنع قانونيا إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، مشيرا إلى أنها تعتبر بالفعل إرهابية انطلاقا من قانون العقوبات لأن ما يمارس منها يعتبر عملا إرهابيا.
وقال أحد المحللين السياسيين إن قرار الحكومة “إجرائي” ويمكن إلغاؤه من قبل المحاكم، مؤكدا أنه يجب على الحكومة تقديم أدلة قوية بشأن تعاون الإخوان مع الإرهابيين وتقديمه إلى المحاكم.
وفي سياق آخر، أدانت جبهة “استقلال القضاء لرفض الانقلاب” القرار الصادر عن حكومة الانقلاب ضد جماعة الإخوان المسلمين، مؤكدة أنه قرار باطل شكلا وموضوعا، وغير قانوني، وغير دستوري، ولا تترتب عليه أي إجراءات قضائية وفق القانون والدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.
وأشارت الجبهة إلى أن البيان الصادر عن حكومة الانقلاب امتلأ بالعوار القانوني، ومناهض لاستقلال القضاء، حيث اتخذت سلطة الواقع موضع السلطة القضائية، واتخذت قرارا يحاسب عليه القانون، وهو ما يترتب عليه محاسبة من أصدر القرار.
أما تداعياته السياسية، فهذا القرار يقلص مساحة الحريات العامة بشكل كبير، ويؤدي إلى حل حزب “الحرية والعدالة” بالتبعية على أساس أنه الذراع السياسي لمنظمة إرهابية، بحسب الإعلان، وهذا يدفع أعضاء وأنصار الحزب للدخول في مواجهة مع الدولة، واليأس -من جانب آخر- من العمل الحزبي، وربما يتجه البعض إلى الانسحاب من العمل السياسي برمته، والبعض الآخر يواجه الدولة بأعمال عنف أو غيرها.
وتأثير هذا الإعلان على عموم الشعب المصري -من غير المنتمين لأحزاب سياسية- يدفعهم دفعا إلى عدم الإيمان بالمسار الديمقراطي في التغيير وتداول السلطة.
أما من الناحية الاجتماعية، فلا شك أن له أثرا كبيرا على الأسر المرتبطة بالمؤسسات والجمعيات التي تقوم عليها الجماعة أو أفراد ينتمون لها، وذلك ربما يؤدي إلى ثورة جياع.
وهذا ما أكدته مسؤولة اللجنة الاجتماعية بجمعية الهداية بالإسكندرية حنان عيد، حيث قالت “إن القرار الصادر بصدد الجمعيات يعتبر ترسيخا لسياسة إقصائية وانتقامية ضد التيار الإسلامي”، مشيرة إلى أن تجميد أموال الجمعيات سيولد فجوة مجتمعية تؤدى لثورة جديدة تسمى “ثورة الجياع” لأن القرار يمس حياتهم ومعيشتهم، ولم ولن تستطيع الحكومة وقف نزيف تلك الأسر وتعويضهم في ظل حالة التوتر الاقتصادي الحالية، وبالتالي فبات مصير آلاف الأسر مهددا بالتشرد.
والأمر لم يتوقف عند الجمعيات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين بل تعداه إلى مئات الجمعيات الأخرى التي لها علاقة وثيقة بالعمل الاجتماعي، من أبرزها الجمعية الشرعية التي أسست في العام 1912، وجمعية أنصار السنة المحمدية التي أسست في العام 1926، وبنك الطعام المصري الذي أسس في العام 2005.
وعلى مستوى الإعلام والنخبة والكتاب والمثقفين، نجد أن معظم الموجودين على الساحة المصرية لديهم موقف حاد من الجماعة، وكانت هناك دعوات عديدة للقضاء عليهم بل ذهب البعض إلى إبادتهم تماما.
وظهر ذلك جليا في مقال بعنوان “ألا إني قد حرّضت.. اللهم فاشهد” في صحيفة الوطن المصرية بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2013 للكاتب محمود الكردوسي، حيث يقول “لو كان القرار بيدي لأعلنتها حرب إبادة ضد هؤلاء القتلة”.
ويضيف: لو كان القرار بيدي لأمرت بتشكيل فرق موت لملاحقة وتصفية كل من ينتمى إلى هذه الجماعة الخائنة، أو من يُشتبه في انتمائه إليها، أو من يدافع عنها، أو يتعاطف معها بالقول أو الكتابة أو حتى بمصمصة الشفاه.
وهذا الكلام ربما يدفع إلى احتراب أهلي لم تشهده مصر من قبل، مما دفع كاتبا خبيرا بالشأن المصري كفهمي هويدي أن يكتب مقاله في صحيفة الشروق بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي بعنوان “مصر على أبواب العرقنة”، أي التحول إلى عراق جديد.