د. جمال نصار – الشرق القطرية
تعجز الكلمات والعبارات أن تُعبّر عمّا تجيش به الصدور، ويستوعبه العقل لصمود وثبات هذا الشعب البطل، الشعب الذي علّم العالم، ولا يزال، أن الأرض مثل العِرض لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط فيها، وأن مواجهة المُحتل بكل غطرسته وإجرامه واجب وطني، والصبر على اللأواء وانعدام كل احتياجات الحياة، وتدمير البيوت، وفقد الأحباب من الإيمان بقضيته العادلة.
ومع كل هذا وزيادة تجدهم يدعمون المقاومة، وصمودها الكبير في مواجهة العدو الصهيوني، الذي دمّر كل شيء. وحينما بدأت الهدنة في السريان صبيحة يوم الجمعة 24-11-2023، تحرك من بقي من جموع الشعب الفلسطيني الأبيّ مرة أخرى للعودة إلى بيوتهم التي تهدّمت بفعل الصواريخ والآليات الإسرائيلية، ولا يخشون الموت، بل عبّر بعضهم أنه يريد أن يموت من أجل وطنه وبيته، وأنهم لن يتركوا أرضهم مهما كُلفة ذلك.
ورأينا هذا الشعب البطل بنسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله، مسلميه ومسيحيه، يقفون صفًا واحدًا للدفاع عن المقدسات في القدس والمسجد الأقصى، ضد اعتداءات المحتل الإسرائيلي، الذي لا يُراعي حُرمة هذه المقدسات، ناهيكم عن سفك الدماء، واعتقال النساء والشباب والأطفال، وتدمير بيوتهم دون وجه حق.
والحقيقة أن ما يقوم به هذا الشعب العظيم، هو واجب الأمة كلها بكل أطيافها، حُكّامها وحُكَمائها، علمائها وشيوخها، رجالها ونسائها. ولكن للأسف مع غفلة الجميع، وتآمر البعض، فلم يكن أمام هذا الشعب بكل فئاته، ومقاومته إلا أن يتحرك لمواجهة هذا العدوان الغاشم، مهما كلّفه ذلك من تضحيات في النفس والمال.
وعلى الرغم من كمّ التضحيات الهائلة التي يتعرض لها أهل فلسطين المرابطين، إلا أننا نجد البعض يثبّط من همتهم وينخر في عزائمهم، ويلقي عليهم التُهم جُزافًا. أقول لكل متآمر على هذا الشعب الأبيّ، التاريخ لن يمحو خياناتكم، والشعوب لن تغفر لكم تآمركم، وستقعون في شر أعمالكم، وستذهبون كما ذهب السابقون من الخونة، وسوف يُسطّر التاريخ ذكركم بكل العار والشنار، هذا في الدنيا، وعقابكم أليم يوم القيامة لتفريطكم في الأمانة، ووقوفكم مع العدو الغاشم المعتدي، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
كلمة إلى أصحاب الضمائر في أنحاء العالم:
لعلكم تتابعون وتشاهدون كمّ التضحيات التي يُقدّمها الشعب الفلسطيني من أجل الحفاظ على المقدسات، واسترداد كرامته وحريته وأرضه المسلوبة، وتعلمون أيضًا المؤامرات التي تُحاك له من المجتمع الدولي، لتهجيره من أرضه، هذا المجتمع الذي يدّعي الوقوف مع الشعوب المقهورة، ومع ذلك يكيل بمكيالين، وللأسف تتصدر الولايات المتحدة الأميركية الواجهة في الوقوف مع المحتل المُغتصب، وتدعمه بكل الوسائل المادية والعسكرية والسياسية.
أقول على الجميع أن يتحرك بكل الوسائل المُستطاعة والمتاحة، ولا شك أن كل جهد يُبذل بالمال، أو الدعم بكل أشكاله، لهو مفيد وفي صالح نُصرة الحق وأهله، وإنقاذًا للنفس البشرية، التي تهدرها الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة، ولا تفرق بين صغير وكبير، أو شيخ وامرأة، بل هدف المحتل هو القضاء على كل مظاهر الحياة، ومنع الشعب الفلسطيني من أن يعيش في أمان، أو راحة.
ومن المؤسف أن التحركات الرسمية على المستوى العربي والإسلامي دون المستوى المطلوب، مع كامل التقدير لما يبذله البعض من أجل فك الحصار وإدخال المساعدات الإغاثية والطبية، ولكنها لا تكفي بأي حال من الأحوال.
إن نصرة القضية الفلسطينية واجب الوقت على الجميع حُكام ومحكومين، لأنها تمرُّ بأخطر اللحظات في تاريخها كله، فالاستكبار الصهيوني قد بلغ أوجه، في القتل، والتشريد، وهدم المنازل والمشافي، والحصار الاقتصادي الرهيب، وقد بيَّت الخطر الصهيوني أمره، وحدد هدفه، وأحكم خطته لتصفية القضية الفلسطينية. ولن يتحقق له ذلك إن شاء الله.
ومِن ثمّّ على الجميع أن يعلم أن ما قوم به هذا الشعب البطل، ومقاومته الباسلة هو حق مشروع طبقًا للأعراف والمواثيق الدولية، فالعدو الصهيوني اعتمد سياسة الأرض المحروقة بالقصف المتواصل، وتقتيل وتشريد العُزّل، وهدم بيوتهم، وسلب أرضهم، ومحاولة تهجيرهم.
فالواجب أن يسارع الجميع لدعم الفلسطينيين ماديًا ومعنويًا، وكسر الحصار عنهم، بكل ما تيسّر من السُبل؛ السياسية والإعلامية والمادية والإغاثية، فلا ينبغي لقادر أن يتأخر عن نجدتهم وإغاثتهم وتخفيف آلامهم.
(هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ومَن يَبْخَلْ فَإنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ واللَّهُ الغَنِيُّ وأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)