بدعوة كريمة من السيدة مباركة المرّي مدير مركز الفيصل للمسؤولية المجتمعية في الدوحة، دُعيت مساء يوم السبت 30 من يناير 2016 لإلقاء كلمة عن المسؤولية المجتمعية، وكانت هذه الكلمة ضمن برنامج حافل بالأنشطة المختلفة للمركز وتكريم العديد من أعضائه، ومما لفت نظري واسترعى انتباهي، اهتمام المؤسسة بالنشء، وإطلاق العنان لهم لكي يعرض كل واحد منهم ماذا يريد أن يكون في المستقبل، وكيف يكون مبدعًا مبتكرًا، فمنهم من يرغب أن يكون طبيبًا لكي يعالج آلام الناس، وأخرى تريد أن تكون معمارية لبناء ما يفيد الناس، وهناك من رأى أن يكون طيارًا لينقل الناس، وزهرة أخرى تريد أن تكون معلمة لتعليم الناس الخير، إلى آخر الأماني والتطلعات الجميلة، التي تنمّ على أن الاهتمام بالنشء قضية تشغل بال هذه المؤسسة المتميزة.
تخيلوا معي لو أن كل جمعية أو مؤسسة أو جامعة أو مدرسة أو حتى في نطاق الأسرة الواحدة، كان الاهتمام بالنشء كما ينبغي، لتغيرت أمور كثيرة في واقعنا، فنحن بفضل الله نمتلك عقيدة راسخة، وإيمانا صادقا، وإمكانات هائلة في عالمنا العربي والإسلامي، ولكننا لا نحسن الاستفادة منها.
وإذا أردنا أن نقف على أهمية تنشئة الأبناء على البحث العلمي والابتكار.. فعلينا أن نعلمهم النماذج التاريخية من أكابر العلماء والأعلام الذين نهضوا بأممهم، وننظر كيف نشأوا، فالأئمةُ الأربعة مثلًا جميعهم نشأ في أسرة مشجعة على العلم، ومجتمع تسوده روح التنافسية في تحصيل المعارف، وقد رأينا كيف كان الإمام الشافعي، المتوفى عام 204ه في طفولته يروح ويغدو على الإمام مالك المتوفى عام 179ه، وكيف كان يشجعه في طفولته، وقد تنبه الإمام مالك إلى نبوغ الشافعي منذ طفولته. وابن سينا المتوفى عام 427ه منذ أن كان طفلًا وهو يحضر مجالس أبيه العلمية، وغير ذلك نماذج كثيرة تؤكد حقيقة النشأة العلمية التي تخرّج فيها العلماء الأفذاذ، مما لا يدع مجالًا للشك في أهمية دور الأسرة في هذا الصدد.
ومن ثمّ أرى أنه يجب على الأُسر والمدارس أن تُعنى بالطلاب الموهوبين، وأن تقدّم لهم الدعم الكافي معنويًّا وماديًّا، بحيث ينشأ الطفل الموهوب في بيئة مشجّعة لمواهبه، معززة لقدراته، داعمة لمهاراته، وعلى ذلك يتم توجيه هذه المواهب التوجيه السليم السديد منذ الطفولة.
ومن العلامات التي تظهر على هؤلاء الطلاب، ويمكن أن نلاحظها، ونستطيع على أثرها التنبه لهم كمشاريع جيدة لعلماء ومبدعين في المستقبل: حب الاستطلاع والاكتشاف، وقوة ملاحظاتهم وقدرتهم على التمييز بين الأشياء والقرائن، وإنتاج الأفكار المتدفقة، وطرح الحلول غير التقليدية، والتميز بالخيال الخصب الواسع.
ومن القضايا المهمة التي يجب غرسها في نفوس الأبناء، حب الوطن الذي نعيش فيه. فتربية الأبناء على حب الوطن لا تعني إلقاء معلومات نظرية فقط، فنقول لهم أحبوا وطنكم دون أن يكون لهذه التربية تطبيق عملي في الواقع فإن التربية في حقيقتها ليست معلومات نظرية فقط تلقى على الطفل، بل لابد أن يصاحب ذلك تطبيق عملي في حياة الطفل حتى يتعود ذلك ويبقى ما تعلمه في ذهنه فترة طويلة من الزمن قد تستمر طيلة حياته فيما بعد. فمثلاً الوالدان يستطيعان تربية أبنائهما تربية عملية على حب الوطن، وذلك بأن يفعل كل من الأب أو الأم عمليًا ما يؤكد حبهما لوطنهما كالتبرع مثلاً لأي مشروع اجتماعي يعود نفعه على الوطن كدار للمسنين أو للأيتام أو غير ذلك من المشاريع ذات النفع العام مع بيان أن الأب والأم يريدان بهذا العمل الأجر من الله تعالى، ونفع هذا المشروع يعود على الوطن وأهله. وأفضل من ذلك أن يعوّد الطفل دائمًا على أن يقوم هو بنفسه بفعل ما يدل على حبه للوطن سواء كان ذلك بتشجيع من الوالدين أو من المعلم أو المعلمة في المدرسة.
فعلى سبيل المثال يحرص الوالدان على تشجيع أبنائهما على تنظيف الحديقة العامة مثلاً ويخبرانهم أن هذا العمل نتيجة لحبنا لوطننا، وأننا لابد أن نحرص جميعًا على أن يبقى وطننا نظيفًا وأن العناية بالنظافة العامة والحرص على إزالة كل ما يؤذي المسلمين هو ما أمرنا به ديننا الحنيف. شكرًا لمركز الفيصل للمسؤولية المجتمعية، وشكرًا لكل من يحرص على نفع غيره.