د. جمال نصار – الشرق القطرية
عاش المغرب في الأيام الماضية محنة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 3000 شهيد، وآلاف الجرحى، وكذلك إعصار ليبيا الذي بلغ فيه عدد الشهداء ما يقرب من 12000، وعشرات الألوف من المفقودين، ومثلهم من المصابين.
والحقيقة الواضحة أن كل ما يجري في هذا الكون هو من تدبير الله، عز وجل، فكل من في السماوات والأرض، والشمس والقمر والنجوم، والجبال، والشجر والدواب، كلها مأمورة بأمر ربها، فإذا أمرها الله فلزامًا عليها أن تُطيع، ثم تنتفض انتفاضة عظيمة، هذه الانتفاضات والزلازل والأعاصير التي نراها، إنما هي إنذار لأهل الأرض، حتى لا يطغى الطاغي، ويقف عند حده، ويعرف أنه ضعيف.
وهناك درسان يجب أن نعلمهما حيال تلك الأحداث:
الدرس الأول: مدى عجز الإنسان مهما بلغ من العلم والتطور والتكنولوجيا، والذكاء الصناعي، والحداثة والتطور؛ عاجز أن يبتكر جهازًا ينبئه ويخبره عن موعد الزلازل ولو بقليل من الوقت، ففي الصين في وقت من الأوقات، جمعوا علماء الجيولوجيا من كل أنحاء العالم، وقالوا عندنا ابتكار هائل لنخبركم به، فقد ابتكرنا جهازًا ينبأ عن الزلازل قبل وقوعها، وهم مجتمعون قبل أن يخبروا المجتمعين بذلك حدث زلزال حيّر الجميع، وهم في قاعة الاجتماع.
إنها حدَاثة وتطور، لكن الله، تبارك وتعالى، من ورائهم محيط، ليخبرهم أنه مهما بلغ الإنسان وتطور، (ومَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إلا قَلِيلاً)، فالإنسان ضعيف، والله قال عنه ذلك (وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا)، (إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا).
كل هذه من أوصاف الإنسان في القرآن الكريم لتخبرنا أنه ضعيف ويؤوس وجزوع أمام الله، تبارك وتعالى، فإذًا لزامًا عليه أن يعرف حدّه (يَا أَيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ).
والدرس الثاني: أن الإنسان ضعيف أمام الله، تبارك وتعالى، وأمام جند الله، فالله قال عن نفسه (ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ)، فهذه الأشياء التي جعلها الله، تبارك وتعالى، في أيدينا آيات لتمنحنا الحياة والطاقة، (وجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) يجعله الله، تبارك وتعالى، جندًا من جنوده فيطغى، ويهلك كما هلك قوم نوح، (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ ودُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ ولَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)
وقد يكون أيضًا الريح الطيبة تأتيك فتستنشقها وتسعد روحك بها، لكنها حينما يريد الله أن تكون عقابًا كما كانت على قوم عاد (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي ونُذُرِ إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًًا صَرْصَرًًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي ونُذُرِ).
وكذلك الماء يغرق الله به فرعون، كما جاء في القرآن الكريم، إذًا هذه آيات ربنا، وجند ربنا، تبارك وتعالى، يسوقها وقت ما يريد ليذيق الناس بعض ما عملوا (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)، وما كثرة الزلازل والبراكين إلا علامة من علامات الساعة، كما أخبرنا الصادق الصدوق، صلى الله عليه وسلم، (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ)، وقبض العلم بقبض العلماء، وهذا نراه ونشاهده في أيامنا هذه، وكذلك تقل البركة في الوقت، ونرى كثرة الزلازل، وكذلك الفتن التي انتشرت في ربوع الأرض.
والمسلم حيال كل ذلك ماذا يصنع؟ لقد ترك فينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ضمانتان:
الضمانة الأولى: بنص القرآن الكريم أن الله عز وجل لا يعذب أمة وفيها نبيه، عليه الصلاة والسلام، (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ).
والضمانة الثانية: نحن بحاجة إليها كلما رأينا آية من آيات ربنا تتجدد على أحد من الناس (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ)، فالاستغفار يدفع هذه الأشياء كلها، ويُظهر مدى عجز الإنسان وعوزه وفقره إلى الله، تبارك وتعالى.
اللهم الطف بأهلنا في المغرب وليبيا، وارحم شهداءهم، وداوي مرضاهم. إنك على كل شيء قدير.