د. جمال نصار – عربي21
استمعت إلى حوار وزير التعليم العالي في حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية “محمد نداء نديم”، الذي أجراه معه أحد المذيعين الأفغان، وحاول تبرير منع الفتيات من التعليم الجامعي بثلاث نقاط:
الأولى: أنه لا بد من اصطحاب محْرم مع الفتاة التي تريد التعليم في أماكن بعيدة، وذهب إلى صعوبة هذا الأمر.
ثانيًا: أنهم أبلغوا الفتيات بارتداء الحجاب، ولكن عدد كبير منهن لم يستجبن، ووصلت مدة إمهالهن ما يقرب من 14 شهرًا، مع خروج كثيرات منهن في زينتها كأنها في عُرس.
ثالثًا: الاختلاط الذي يحدث بينهن وبين الطلاب في الجامعات. كانت هذه مبررات المسؤول الأفغاني لمنع الفتيات من التعليم الجامعي.
أقول: مع كامل التقدير لجهاد الأفغان بشكل عام، وحركة طالبان بشكل خاص في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وإجباره على الخروج المُذل من أفغانستان بعد 20 عامًا من السيطرة، ونهب مقدرات أفغانستان عبر وسطاء أوجدتهم لحكم الأفغان لمنع كل مظاهر الدين الإسلامي، ومحاولة تغريب هذا البلد الذي استعصى على كل ما هو غربي؛ إلا أن ما أورده وزير التعليم العالي الأفغاني يحتاج إلى رد وتوضيح لطبيعة المرحلة التي تعيشها أفغانستان بعد عودة طالبان للحكم مرة أخرى.
أولًا: مسألة اصطحاب المحْرم لكل طالبة حتى يتاح لها السفر لتلقي التعليم، فهذه مسألة في غاية الصعوبة، ويمكن الاستعاضة عنها بإنشاء مراكز تعليمية في كل بلد، لكي تنال كل فتاة حظها من التعليم الجامعي، ناهيكم أنه يمكن استخدام التعليم عبر التليفزيون الأرضي، وكذلك الإذاعات المحلية، إذا كانت هناك صعوبة في هذه المرحلة لتوفير التعليم عبر الإنترنت. هذه أفكار بديلة للمعضلة الأولى، الذي طرحها الوزير الأفغاني، والأهم من ذلك أن المسألة فيها وجهات نظر وخلاف فقهي، ويمكن الرجوع إلى الفتوى رقم (130920) على موقع إسلام ويب، بعنوان: حكم إقامة المرأة في بلد دون محرم، وفيها أنه “إذا أوصلها المحرم إلى موضعها الذي تسكن فيه رجع، إن أمن عليها، ولا يشترط لإقامتها في بلد آمن أن يقيم معها محرمها، ففي فتاوى الشيخ ابن باز، رحمه الله: فإقامة المرأة في بلد بدون محرم لا ضرر فيه ولا حرج فيه، ولاسيما إذا كان ذلك لا خطر فيه طالما أن العمل بين النساء ومصون عن الرجال”. ويقاس عليها التعليم طالما أنها تسكن في بيت للطالبات في مأمن من الاختلاط بالرجال، وهذا معمول به في كثير من الدول.
أما المسألة الثانية: وهي ارتداء الفتيات للحجاب، فهذا لا شك في أنه فرض عين على كل مسلمة تؤمن بالله، عز وجل، ولكن المعضلة أن معظم الفتيات والنساء بشكل عام تأثر بعضهن بالتقاليد الوافدة من الغرب، وخصوصًا في الـ 20 سنة الماضية، ومن ثمَّ الأمر يحتاج إلى كثير من الحكمة والتدرج، وهناك العديد من الوسائل لدفع النساء بشكل عام والفتيات بشكل خاص لارتداء الحجاب، منها على سبيل المثال: زيادة البرامج التوعوية في الإعلام، والجمعيات النسوية، وزيادة الدروس النسائية في المساجد للفتيات، وفي المناهج التربوية، وخصوصًا في التعليم ما قبل الجامعي، وهذا أمر يحتاج إلى مصابرة ومتابعة بشكل لا يُنفِّر الفتيات من الحجاب، ويمكن إجراء محفزات وجوائز للفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في مرحلة التعليم الجامعي وما قبله.
فالتدرج سنة من سنن الله تعالى في هذا الكون، وسنة من سنن دعوة نبينا، صلى الله عليه وسلم، ولذلك يجب تشجيع الفتيات على حضور الدروس في المساجد وخطبة الجمعة لعلها تسمع موعظة تنتفع بها. والمهم أن يتم اقناع الفتاة بارتداء الحجاب والالتزام بالتعاليم الشرعية، ولو كان ذلك بالتدرج خطوة خطوة، مع تبيين أن شرف المسلمة في حيائها وسترها وحجابها، وأن التبرج والتحلل من مظاهر الجاهلية الأولى وشعار الجاهلية الحديثة، وقد نهى الله تعالى عن التخلق بأخلاق أهل الجاهلية فقال تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: 33). والمسألة في النهاية تحتاج إلى صبر ومداومة التوجيه الحسن، حتى تلتزم الفتيات بما شرعه الله عن اقتناع، ودون إجبار أو تخويف.
المسألة الثالثة: المتعلقة بالاختلاط في الجامعة، فهذه يمكن حلها بوسائل عديدة منها الفصل بين الطلاب والطالبات في أماكن الدراسة، ولها طرق مختلفة إما أن يدرس البنات في وقت غير وقت الأولاد، أو تكون هناك أماكن مخصصة بشكل كلي للفتيات، وأخرى للشباب مع الفصل التام، ويقوم بالتدريس للفتيات مدرسات متخصصات في المجالات المختلفة، وهذا معمول به في العديد من دول الخليج، ويمكن الاستفادة من تجاربهم. والمسألة تحتاج إلى التدرج والصبر من جانب، وتهيئة الظروف من قِبل وزارة التعليم العالي من جانب آخر.
وقد فصّل الرأي الفقهي في هذا المسألة قسم الفتاوى في موقع إسلام ويب الفتوى رقم: (5310)، وفيها:
والاختلاط ضرره لا يقتصر على جنس دون آخر، فشره يعم الرجال والنساء، فإذا اضطر الرجل، أو المرأة إلى مثل ذلك، فيقتصر الحضور من كليهما على المحاضرات، فإذا انتهت الحاجة اليومية من الجامعة، خرج لتوه من ذلك المكان المختلط، كما فعلت ابنتا شعيب، وكما فعل موسى معهما لما سقى لهما، ثم تولى إلى الظل.
والمراد بالاضطرار في حق المرأة هنا: أن تكون بحاجة إلى عمل، تنفق منه على نفسها؛ لعدم وجود من ينفق عليها، وعدم إحسانها لصنعة تعملها، كخياطة، ونحوها. فإذا كان هذا العمل يتوقف على هذه الشهادة الدراسية؛ جاز لها حينئذ أن تدرس في هذا المكان المختلط، الذي لا تجد غيره، إن تحققت الأمور الآتية:
أ – إن تحجبت حجابًا كاملًا، غير متعطرة، ولا متبرجة بزينة.
ب – أن تتجنب الجلوس بجوار الرجال.
ج – أن تتجنب محادثتهم، فيما لا تدعو الحاجة إليه، ويكون الحديث واضحًا، لا ملاينة فيه، وبعيدًا عن كل ما يخدش الحياء.
د- أن تخاف على نفسها من الانحراف فيما لا يرضي الله تعالى.
والخلاصة: أنه يجب الحرص على تطبيق شعائر الله بالتدرج والحكمة، وتهيئة الأجواء لذلك طالما أن حركة طالبان تولت هذه المسؤولية في هذه المرحلة الصعبة، فقد ورد في تراثنا الفقهي أن هناك ما يسمى برخص ابن عباس وشدائد ابن عمر.
وعلى المسؤولين أن ينتبهوا إلى أن التشدد في الدين لا خير فيه أبدًا، بل هو سبب للإفساد والنفور والخروج من الدين، ولهذا قال، صلى الله عليه وسلم: “هلك المتنطعون”، قالها ثلاث مرات، وقال، أيضًا، صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الدين متين، فأوغلوا (أي: ادخلوا) فيه برفق، وقال، أيضًا، صلى الله عليه وسلم: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”.
وعليه يمكن الاستفادة من خبرات بعض الدول في ذلك، فهناك العديد من التجارب في أكثر من دولة، فالمسألة لا تتوقف على التعليم وحسب، ولكنها مرتبطة بمجمل التعامل مع المجتمع الدولي وإيجاد حالة من التوازن، مع الحرص على التمسك بالتقاليد والأعراف المحلية، وهذا الموضوع يحتاج إلى جهد جهيد، وخصوصًا أن الحركة كانت بعيدة عن الحكم لسنوات، كما ينبغي عليها عدم تكرار نفس الأخطاء السابقة أثناء فترة حكمها الأولى.
ومن ثمَّ على طالبان، خاصة في هذه المرحلة، أن تتخفف من تشددها غير المبرر في مثل هذه القضايا، والمختلف عليها، لأن ذلك سيزيد من عزلتها دوليًا، ويعقِّد علاقاتها مع بعض الدول المساندة لها، مثل تركيا وقطر.