د. جمال نصار – الشرق القطرية
حاصرت القوات الإسرائيلية مُجمّع مستشفى الشفاء الطبي، كأنها تحاصر ثكنة عسكرية، بعد أن قذفته بالصواريخ المدمِّرة، ثم اقتحمته ليلة الأربعاء (15-11-2023) بالجرافات شمالًا ثم جنوبًا، وسوّت كل شيء بالأرض، وحطّمت كل السيارات التي قابلتها في طريقها، مع إطلاق النار على كل من يتحرك داخل المُجمّع، وعزلت كل الأقسام عن بعضها البعض، وهو أمر أدى إلى وفاة العديد من الأطفال الخُدّج (حديثي الولادة المُبكرة) في المستشفى، مع تهديد كل من في المستشفى، وتخريب كل الأجهزة الطبية. ولم يكتفوا بذلك، بل اختطفوا كل الجثث من الثلاجة والمقبرة، حسب مدير مستشفى الشفاء.
وأَوْهم الكيان الصهيوني العالم بأن اقتحام مستشفى الشفاء سيقضي على قادة المقاومة، وسيتم تحرير الرهائن، وعرضوا على الرأي العام العالمي أكاذيب بأنهم حصلوا على معدات عسكرية وأسلحة وجهاز كمبيوتر، ثم بعد ذلك حذفوا بعض المقاطع التي تكشف زيفهم!
هذا الحديث الكاذب، والرواية المفبركة التي اعتاد عليه هذا الاحتلال المجرم، لم يكن حديث اللحظة، بل هو ديدنهم منذ أن احتلوا أرض فلسطين، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وكان آخرها أن حماس تقطع رؤوس الأطفال، وتغتصب النساء! وليرجع من شاء إلى كمّ القرارات التي اتُخذت ضد الاحتلال في الأمم المتحدة، ومخالفة (إسرائيل) الصريحة، لكل القرارات، بل تجد من يقف معها، من أصحاب حق الفيتو.
وقد كشفتهم وأعلنت زيفهم وكذبهم إذاعة الجيش الإسرائيلي نفسه، في وقت سابق، بأن جيش الاحتلال لم يعثر على أي أسرى إسرائيليين في مستشفى الشفاء، كما زعموا قبل ذلك، كما لم يعثر الجيش علي أية أنفاق، أو قيادات لحماس كما ادعوا، وهكذا تنكشف فضائحهم على مرئ ومسمع من العالم، كما أدانتهم (هيومن رايتس ووتش) بقولها: “إن إسرائيل لم تُقدّم أي دليل حتى الآن يبرر فقد مستشفى الشفاء وضعه المحمي قانونًا”. ولكن للأسف بعد أن قتلوا المئات من المرضى، وخصوصًا الأطفال، واعتقلوا الكثير من النزلاء، منهم أعداد كبيرة من الجرحى.
كل هذه الجرائم التي يرتكبها المحتل الإسرائيلي، والإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، لن تحقق لهم بُغيتهم، ولن يهنؤوا بالعيش، وعليهم أن يعلموا أن القضية الفلسطينيّة قضية شعب يبحث عن حقّه المشروع في تحرير أرضه من الاحتلال الصهيوني، والقضاء على الفصل العنصري، وإقامة دولته المستقلّة، وَفق الشرعية الدولية، التي أهانوها طوال تاريخهم.
والغريب أنه مع كل هذه الجرائم البشعة التي تصل إلى جرائم حرب، حسب القانون الدولي، لا نجد تحركًا مناسبًا على المستوى الرسمي، وخصوصًا من العالم العربي، الذي من المفترض أن يكون الحاضنة الطبيعة لغزة، لأنها تقوم بما يجب عليهم جميعًا. وأقول بكل صراحة إذا سقطت غزة، لا قدر الله، فلن يكتفي العدو الصهيوني بذلك، بل لديه الخطط لتحقيق آماله من النيل إلى الفرات. فهل نعي الدرس، أم سنظل على هامش الأحداث والتاريخ، طبقًا للمقولة الشعبية (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض). وهذا مثل يضرب عند الشعور بالندم على التفريط، والتهاون في الحقوق، والإحساس بالتشتت والضياع، فالأمر يبدأ دائمًا بالغير، وينتهي عندك فاحترس، ولا تضع نفسك فريسة للخداع، فما يطال غيرك يطالك.
قالوا عن الكوارث في مُجمّع الشفاء:
منظمة أطباء بلا حدود: (في حال لم نوقف سفك الدماء فورًا عبر وقف إطلاق النار، أو الحد الأدنى من إجلاء المرضى، ستصبح هذه المستشفيات مشرحة).
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” قال: (إن 20 من أصل المستشفيات الـ 36 في غزة باتت خارج الخدمة).
جمعيّة “أطبّاء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية غير الحكومية: (تلقّينا تقارير مروّعة من مستشفى الشفاء، لا كهرباء، ولا ماء، ولا أكسجين، أدّى القصف العسكري إلى إلحاق أضرار بوحدة العناية المركّزة، وكذلك بالمولّد الوحيد الذي ظل يعمل حتى الآن. ونتيجة لانعدام الكهرباء، توقّفت وحدة العناية المركّزة لحديثي الولادة عن العمل وأدى ذلك إلى وفاة رضيعين).
نماذج مشرفة:
تنازلت الناشطة الحقوقية الأردنية والمديرة التنفيذية لمركز العدل القانوني “هديل عبد العزيز” عن “جائزة المرأة الشجاعة الدولية”، التي حصلت عليها من وزارة الخارجية الأميركية في مارس/آذار 2023، بسبب الدعم الأميركي غير المشروط للعدوان على قطاع غزة.
كما قرّرت مديرة مركز تمكين لحقوق الإنسان الأردنية “ليندا كلش” التخلي عن جائزة “البطلة المكافحة للاتجار بالبشر”، التي تُقدّم من الخارجية الأميركية عبر برنامج زمالة أميركية، بسبب دعم العضو المؤسس لهذا البرنامج ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون للعدوان على غزة.