د. كمال أصلان – الشرق القطرية
لا تزال حرب الإبادة في غزة مستمرة، ولم تنجُ المساجد والكنائس من هذا الإجرام الإسرائيلي، وكان آخرها المسجد الكبير في غزة، الذي بُني منذ 96 عامًا، أي أنه أقدم من دولة الاحتلال بعقدين من الزمن. هذه الممارسات الصهيونية الإجرامية، للأسف، لا تجد من يقف ضدها، ويُلجم غيّها إلا المقاومة.
إن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمساجد في غزة، وحرق المصاحف؛ يمثل جانبًا مأساويًا آخر من جرائم الحرب والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، يتجلى ذلك من خلال تدمير أماكن العبادة، التي تمثل رموزًا دينية وثقافية مهمة، مما يُعد انتهاكًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
وإذا تتبعنا هذه الجرائم التي استهدفت المساجد في غزة، سنجد أن هذه الجرائم متعمدة، حيث تم تدمير العديد من المساجد، أو تعرضت لأضرار كبيرة خلال العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل على غزة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
عملية “الرصاص المصبوب” (2008-2009)، في هذه العملية، تم تدمير أكثر من 45 مسجدًا بشكل كامل، بينما تعرضت العشرات الأخرى لأضرار جزئية، بعض هذه المساجد كانت قديمة وتاريخية، وكانت تؤدي دورًا مهمًا في المجتمع المحلي.
وفي عملية “الجرف الصامد” (2014)، دُمرت حوالي 73 مسجدًا بشكل كامل، بينما تضرر أكثر من 200 مسجد بشكل جزئي، كان من بين المساجد التي تم تدميرها مسجد عمر بن عبد العزيز في بيت حانون، والذي يُعد من أقدم المساجد في المنطقة.
عملية “حارس الأسوار” (2021)، خلال هذه العملية، استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية العديد من المساجد، مما أدى إلى تدمير بعضها، وإلحاق أضرار جسيمة بالآخرين.
وغالبًا يتم استهداف المساجد تحت ذرائع أمنية بدعوى أن المساجد تُستخدم لتخزين الأسلحة، أو كأماكن لاجتماعات “عناصر إرهابية”، كما يدعون، مما يعتبره الاحتلال مبررًا لاستهدافها. ومع ذلك، لم تقدم إسرائيل أدلة كافية لدعم هذه الادعاءات، وغالبًا ما يتضح أن الاستهداف كان عشوائيًا، أو مقصودًا لإحداث أكبر قدر من الضرر، والرعب في صفوف المدنيين.
ونتيجة لتدمير المساجد، يُحرم الآلاف من المصلين من أماكن عبادتهم، مما يترك فراغًا روحيًا واجتماعيًا كبيرًا، فالمساجد في غزة ليست فقط أماكن للصلاة، بل هي أيضًا مراكز للتعليم والثقافة والمجتمع.
وتدمير المساجد يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على سكان غزة، حيث يعتبرون هذه الأماكن مقدسة، ولا ينبغي أن تُستهدف بأي حال من الأحوال.
وتدمير المساجد يمكن اعتباره جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للفلسطينيين عن طريق استهداف رموزهم الدينية والثقافية، ويشكل ذلك انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات المدنية والدينية.
ورغم التنديد الدولي المتكرر باستهداف المساجد وأماكن العبادة، لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات فعّالة لوقف هذه الجرائم، أو محاسبة المسؤولين عنها، ويظل الوضع القانوني المعقد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمصالح السياسية للدول الكبرى، عائقًا أمام تحقيق العدالة للفلسطينيين.
وفي بعض الحالات، تم استهداف المساجد في أوقات تكون فيها مكتظة بالمصلين، مما أدى إلى وقوع إصابات وقتلى، وتعتبر هذه الهجمات مروعة بشكل خاص لأنها تستهدف المدنيين أثناء ممارستهم لشعائرهم الدينية.
ويعد استهداف المساجد جزءًا من سياسة أوسع تتبعها إسرائيل في قطاع غزة، تهدف إلى تدمير البنية التحتية، وتشتيت المجتمع الفلسطيني، هذه الممارسات تعكس الاستهتار بالقوانين الدولية والمعايير الإنسانية، وتبرز الحاجة الملحة لتحقيق العدالة والمساءلة على الصعيد الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجرائم تتم بموجب تغطية دولية في كثير من الأحيان، في ظل عجز المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، وتستمر هذه الجرائم وسط معاناة شديدة يعاني منها سكان القطاع، مع تزايد الدعوات لرفع الحصار وإنهاء الاحتلال.