د. جمال نصار – عربي بوست
تظن الكثير من الأنظمة العربية أنها كلما نالت رضا الولايات المتحدة الأمريكية، واقتربت منها، كلما كان ذلك أدعى للاستمرار في الحكم، وتسيير مؤسسات الدولة نحو الاستقرار، والتناغم الدولي والإقليمي. والذي يدفع هؤلاء إلى الاستسلام لهذا المسار، أنهم لم يأتوا بإرادة كاملة من شعوبهم، فكلما زادت الرابطة بين الحاكم وشعبه، ازدادت الثقة فيه، وسعى بكل السبل للاستقلال الوطني بعيدًا عن التدخلات الخارجية بكل أشكالها.
ويغيب عن هؤلاء، بقصد أو بدون قصد، أن الهدف العام للولايات المتحدة الأمريكية هو السيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب في المنطقة العربية، وتطويع الأنظمة العربية لكي تتعايش وتندمج مع إسرائيل رغبة ورهبة، وتكون الغلبة في تلك المعادلة لهذا الكيان المحتل.
وعكس جو بايدن ذلك في أول رحلة له إلى الشرق الأوسط باعتباره رئيسًا لأمريكا، وهي نفس السياسة الخارجية لسلفه دونالد ترامب المتعلقة بدعم التطبيع في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني. وفي ذات السياق يتفاخر بايدن أنه أول رئيس أمريكي يطير من إسرائيل إلى جدة بشكل مباشر.
أهداف بايدن من الزيارة
برر الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقال رأي نشره في صحيفة “واشنطن بوست” قبل مجيئه للمنطقة، أن وظيفته الحفاظ على بلاده، والمطلوب هو مواجهة عدوان روسيا، والتغلب على الصين والعمل من أجل استقرار أكبر في دول المنطقة، والسعودية إحداها. وذكر أنه عندما يقابل السعوديين، سيكون هدفه تعزيز شراكة استراتيجية تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة بين البلدين، مع التمسك بـ”القيم الأمريكية الأساسية” على حد وصفه.
وهذا يتناقض مع موقفه السلبي من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أعلن عنه من قبل، استنادًا إلى ما أقرته وكالة الاستخبارات الأمريكية حول مسؤولية بن سلمان عن جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشجقي في سفارته بإسطنبول، كما وصف السعودية حينما تقلّد الحكم “بالدولة المنبوذة”، بالإضافة إلى التحفظات التي أبدتها إدارته على سجل المملكة في حقوق الإنسان.
ومن التبريرات، أيضًا، التي وردت على لسان بايدن أن زيارته للمنطقة هي من أجل دعم الحليف الإسرائيلي ومن أجل السلام في المنطقة، وليس لموضوع زيادة تصدير النفط السعودي.
وبهذا التبرير، يضع الرجل المتأرجح داخليًا نفسه في موقف محرج جرّاء هذه الزيارة التي وصفها بالحيوية، متنازلاً عن معاييره ومعايير الديمقراطيين معه في تقسيم العالم بين دول ديمقراطية وأخرى استبدادية، حيث تضمنت جولته لقاءات مع دول وصفها بالاستبدادية، ولكنها تمتلك مخزونًا نفطيًا كبيرًا، وإقناعها بزيادة الإنتاج هو الهدف القريب الذي يصب في مصلحة هدف آخر بعيد وهو الاصطفاف ضد روسيا والتنازل عن نفطها.
وهذه الزيارة للرئيس الأمريكي هي بحكم الاضطرار وليس بالاختيار، فليست أولويات إدارة بايدن الآن أزمات منطقة الشرق الأوسط، ولا الملف الفلسطيني بطبيعة الحال. بل الأولوية الآن للمواجهة القائمة مع روسيا والقادمة مع الصين.
مواقف رسمية عربية تخدم المشروع الأمريكي في المنطقة
من أبرز التصريحات اللافتة في المنطقة العربية قبل زيارة بايدن كانت تصريحات ملك الأردن “عبد الله الثاني”، في مقابلة أجرتها معه قناة “سي إن بي سي” الأمريكية؛ بدعوته لتشكيل تحالف عسكري “ناتو شرق أوسطي” على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبطبيعة الحال ستكون إسرائيل مكون أساس في هذا التحالف!
وفي المملكة العربية السعودية يعتبر محمد بن سلمان أنه بتلك الزيارة سيضمن اعتلائه للحكم بشكل يسير، لأنه أَجْبر، حسب التحليلات السعودية، الرئيس الأمريكي لتغيير موقفه الرافض للتعامل مع السعودية لموقفها من حقوق الإنسان. وبطبيعة الحال الاحتياج الأمريكي للنفط السعودي هو الذي دفعهم دفعًا لتغيير موقفهم، وخصوصًا للضغط على روسيا لمحاولة تغيير موقفها المتشدد في أوكرانيا.
نحن إذن أمام تطور جديد سواء في العلاقات الأمريكية- السعودية، أو على صعيد مشروع التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، والأخطر في هذا التطور مشاركة السعودية في هذا المشروع بعد أن كانت سابقًا متحفظة على اتفاقية أبراهام التطبيعية، والتي كان يرعاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رغم العلاقة القوية التي ربطته بالمسؤولين السعوديين، وحصوله على دعم بمليارات الدولارات خلال عهده.
ولكن من المؤسف انجرار السعودية للمخطط الصهيو أمريكي، لإتاحة الفرصة لمحمد بن سلمان للتمكن من اعتلاء عرش المملكة بشكل رسمي وسريع، ولذلك يقوم بمحاولات مستمرة لإخراج المملكة من المحافظة إلى التغريب والانفتاح على الثقافة الغربية بكل سوآتها.
إعلان القدس لهيمنة إسرائيل على المنطقة العربية
وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس (14 – 7 – 2022)، ثاني أيام جولته بالمنطقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد اتفاقا مشتركًا أطلق عليه “إعلان القدس”، يقضي بمنع إيران من حيازة السلاح النووي.
وقد عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية، كما ورد في نص البيان، عن التزامها ببناء هيكل إقليمي لتعميق علاقات إسرائيل وشركائها، ودمجها في المنطقة، وتوسيع دائرة السلام لتشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى.
كما نص الإعلان على التزام واشنطن بأمن إسرائيل والحفاظ على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، وعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي ومواجهة الأنشطة الإيرانية بالمنطقة سواء منها المباشرة، أو عبر وكلائها مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحزب الله، وحركة الجهاد الإسلامي، حسب البيان.
كما أدان البيان ما وصفها بـ”الهجمات الإرهابية المؤسفة” التي استهدفت إسرائيليين في الأشهر الأخيرة، مؤكدًا دعم الرئيس جو بايدن لحل الدولتين. مع تأكيده أنها بعيدة المنال في الوقت الحالي أثناء لقائه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ويعتبر إعلان القدس دعوة مفتوحة لإشعال الحروب الإقليمية في المنطقة، وتعزيز الدور العدواني لإسرائيل على حساب مصالح شعوب المنطقة عبر إغراقها بالخراب والدمار والويلات بذريعة دفاع إسرائيل عن نفسها.
ومن ثمَّ على الشعوب العربية والحكومات تحمُّل مسؤولياتها السياسية والوطنية لإجهاض إعلان القدس واستحقاقاته، والحرص في المقابل على صون المصالح الوطنية، والحقوق المشروعة لشعوب المنطقة.
أمريكا والسعي لطمس القضية الفلسطينية
لا بد أن نعلم أن الغرب في مجمله والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا يسعون بكل السبل لتحقيق مصالحهم، ولا يعنيهم من قريب أو بعيد مصالح وحقوق الشعوب العربية، بل الأصل لديهم هو السعي لابتزاز خيرات العالم العربي، وتأمين إسرائيل، ودمجها في المنطقة، حتى يكون لها الغلبة في تلك المعادلة الإقليمية. ومن ثمَّ لا نستغرب من تصرفات هذه الأنظمة الغربية، لأنها ليست جمعية خيرية، أو مأوى لمن يريد الحصول على حقوقه المشروعة.
والمشكلة الأساس في الأنظمة العربية التي تستقي شرعيتها ووجودها من هذا النظام الدولي المنحاز لمصالحه، ولا يعتبر أن الشعوب العربية لها الحق في أن تعيش حياة كريمة، وتنعم باختيار حكامها بالطرق الديمقراطية التي يمارسها الغرب.
أقول هذا الكلام حتى لا ننخدع بالأقوال المعسولة هنا وهناك، مثل ما سمعناه في قمة جدة للأمن والتنمية السبت 17يوليو/تموز 2022، بمشاركة دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق والولايات المتحدة الأمريكية؛ فالمنطقة العربية برمتها أمام محطة جديدة من الصراع العربي- الإسرائيلي، وأمريكا تبذل قصارى جهدها لتصفية القضية الفلسطينية، ومواجهة الشعوب الحرة التي تسعى للاستقلال الوطني.
وهذا يتطلب من قوى المقاومة الحية، والشعوب العربية إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والعلاقات فيما بينها، لتعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة المخاطر التي تحيط بالمنطقة، التي ربما تشهد تحولات جذرية ومؤلمة للوقوف ضد مشاريع التطبيع والاحتلال، والتهويد والسيطرة على القدس، وإنهاء القضية الفلسطينية.
والبداية الحقيقية تكون بالتوافق حول القضايا الأساسية التي تهم الشعوب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود سلطة فلسطينية تقوم بدورها الطبيعي لحماية الفلسطينيين، ولا تقوم بتقديم الخدمات الأمنية وغيرها للعدو المحتل. ولعل الشعوب العربية تستفيق من غفلتها وسباتها، وتكون العامل المهم في قلب المعادلة، وتغيير هذا الواقع لصالحها.