د. جمال نصار – الشرق القطرية
ما يحدث في غزة هو إجرام مُركب من الصهاينة، الذين استباحوا كل شيء، دون مراعاة لأدنى حقوق الإنسانية، وهذه طبيعة الصهاينة، فدمّروا البيوت على رؤوس أصحابها، وأحرقوا المستشفيات مع المرضى، وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والرجال دون تمييز، وقذفوا الكنائس، وخالفوا كل الأعراف الدولية والمؤسسات الإنسانية في التعامل مع الشعب الفلسطيني، فقطعوا المياه، والكهرباء، ومنعوا الغاز من الوصول لأهل غزة، وليس هذا فحسب، بل يحاولون منع دخول المساعدات الإنسانية، واستهدفوا معبر رفح.
كل هذه الإبادة الجماعية، وللأسف المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يقدمون كامل الدعم لهؤلاء المجرمين من مواقف سياسية دولية، وإمدادات عسكرية متطورة.
ومن المؤسف والعار، أيضًا، أن يكتفي الحكام العرب ببيانات التنديد والشجب فقط، دون اتخاذ إجراءات رادعة لهذا المحتل، بل نجد بعض الدول التي سارعت للتطبيع معه، تدافع عنه وتبرر ما يقوم به، إلى آخر ما نراه ونسمعه من مواقف الخزي والاستسلام.
والحقيقة أن هذا المحتل الغاصب لا يعرف إلا منطق القوة، ولا يرتدعون إلا بالمعاملة بالمثل لأنهم جبناء، كما وصفهم القرآن الكريم (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن ورَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر: 14).
وقد قدّم، ولا يزال، أهل غزة والضفة وكل أهلنا في فلسطين، المثل والنموذج للشعب الصامد، الصابر، الحريص على أرضه، برغم كل الانتهاكات التي تمارس في حقه، وتواطؤ الجميع غربًا وعربًا ضدهم، والتآمر عليهم.
ومن ثمَّ على الشعوب العربية والإسلامية التحرّك لإنقاذ أهل غزة، فهم منّا ونحن منهم، وكما ورد في الأثر: “مَن لَمْ يهتَمَّ بأمرِ المُسلِمينَ فليس منهم”.
وهناك العديد من الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الأفراد والمؤسسات والجمعيات للمساهمة والمساعدة لنصرة أهل غزة والوقوف معهم، لكي نعذر إلى الله، من ذلك:
النفير بقدر الاستطاعة والمشاركة في الفعاليات التي تتم في كل مكان في العالم، ودعم القضية الفلسطينية ماديًا ومعنويًا، والتحدث مع الأصدقاء والأقارب، عن الواجب نحو نصرة فلسطين، والمقدسات الإسلامية، وما هو الدور المطلوب لنصرتهم، وتلقين الأمهات أطفالهم حب فلسطين، وأنها قضية الأمة، وتدريبهم على الصبر والاحتمال، من خلال الوسائل المختلفة.
ومقاطعة الشركات والسلع التي تدعم الكيان الصهيوني، وإخراج مصروف في الشهر لصالح فلسطين، ووضع حصّالة منزلية باسم حصّالة فلسطين، ليستشعر الأولاد معاني البذل والعطاء للقضية.
وحثّ المسلمين على المشاركة في حماية المقدسات الإسلامية، ونُصرة أهل غزة، مع توضيح مدى الإجرام الذي يمارسه الصهاينة في حق إخواننا في فلسطين، وأنهم لا عهد لهم، مع استحضار النماذج الخالدة من أبطال المسلمين، وإحياء دور المساجد، بالاهتمام بقضايا المسلمين الحيوية، وخصوصًا القضية الفلسطينية.
والاهتمام بنشر أخبار غزة الحقيقية والمشاركة في برامج البث المباشر، والمشاركة في نقل الصورة من داخل فلسطين لجميع أنحاء العالم.
وتشكيل مؤسسات إسلامية إعلامية لتسليط الضوء على قضية فلسطين وتعريف العالم بها، والتأكيد على دور وسائل الإعلام في خلق دعم سياسي، ورأي عام عالمي ومحلي لخدمة القضية.
والتحرك نحو المجتمع بكافة فئاته، وعدم تجاهل الوسط الرياضي، والمبادرة بدمجهم ضمن الهمّ الإسلامي العام، والتوعية السياسية لشرائح المجتمع المختلفة، والتصدي للإعلام الغربي والصهيوني، والرد على شبهاته وأباطيله حول ما يحدث في غزة، ودحض رواياتهم المزيّفة حول الأحداث من خلال المقالات، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
وعقد الأنشطة المختلفة التي تدافع عن فلسطين في كل المؤسسات والنوادي، وحثهم على نصرة أهل غزة، وإنشاء لجان للدفاع عنها، ومقاضاة أي شخص أو جهات حكومية تسمح بالمساس بمقدساتنا، أو ديننا إسلاميًا وعالميًا، وكشف مخططاتهم، ومراسلة الحكام ومخاطبتهم واستثارة مشاعرهم لنصرة أهل فلسطين ولو سياسيًا، والدفاع عن حقهم في المحافل الدولية.
ويجب ألّا نغفل سلاح الدعاء، فهو سيف بتّار، الذي تُقْضى به الحوائج، ويُنصر به المستضعفون، مع استشعار ما يعانيه الفلسطينيون ومعايشتهم بالروح والنفس.
وكما ورد في الحديث الصحيح: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ).
إن حرب الإبادة التي يقوم بها المحتل الغاشم مع أهل فلسطين، بمعاونة المجتمع الدولي، لن تجدي في ثني الشعب الفلسطيني عن الحصول على حقوقه كاملة، مهما كلّفه ذلك من تضحيات، (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء: 227).