مقدمة
معيار قوة أي أمة وتقدمها ورضاء مواطنيها لم يعد معتمداً بما تملكه هذه الأمة من ثروات طبيعية فقط، أو من السلاح والعتاد، بل بما يتاح لها من قدرات على تملك رأس المال المعرفى لدى الأمم الأخرى، ومما تولده وتنتجه قوتها البشرية توليداً وإنتاجاً ذاتياً.
والمتأمل لحال الفكر والثقافة فى العالم العربى يجد أنه محشور بين الثقافة التقليدية وثقافة الكوكبية ( العولمة)، وهذا يعنى أنه يقع بين شقى الرحى إن صح التشبيه، فحجر الرحى الأسفل ما تراكم من الأفكار والممارسات بعضها فوق بعض فى مسيرتنا الثقافية، وحجرها الأعلى تحديات الكوكبية وثوراتها المعرفية وضغوطها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفى الحجر التقليدى الأسفل من الرحى أفكار ومؤسسات تقليدية نمطية، إلى جانب التردد فى عمليات التطوير، والتى حين تحدث فبمقدار معلوم محدد تخوفاً من زعزعتها للأوضاع الراهنة، وركوناً إلى آليات السلامة والعافية وخشية المجهول.
أما الشق الأعلى للرحى فهو ما يكثر الحديث فيه عن ظواهر الكوكبية ( العولمة) ومتغيراتها المختلفة بفرصها ومشكلاتها، وبخاصة ما تموج به ثورات معرفية لها مصادرها العلمية والتكنولوجية والاتصالية.
ولابد لنا فى هذا المقام أن نؤكد أن علينا ألا نقف موقف الذى تجرفه تلك الآليات والتيارات للسوق الطليق، حيث نستطيع أن نعمل العقل والإرادة الجماعية – أمة وأفكاراً – نضبطها والتحكم فيها وفق مصالحنا.
والواقع أننا فى حاجة إلى تطوير ما فى ثقافتنا من أخلاط بدوية أو ريفية زراعية وتوجهات العقلية الميكانيكية النمطية، لنتجاوزها إلى عقلية ثقافية مرنة تطورية نسبية التوجه متعددة الرؤى والمناظير، منفتحة للبدائل والامتداد إلى ما بعد معطيات الواقع وتجاوزها إلى آفاق أرحب وأخصب فى التفاعل مع الحضارات الأخرى شمالية وجنوبية.
والكوكبية أو العالمية أو العولمة يمكن أن يستفاد بها فى إطار الفكر العربى الحديث، واستخلاص من يناسب مع هويتنا وثقافتنا وهذا ما دعى إليه الإسلام وحث عليه “الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أحق الناس بها”.
أما إذا كان الهدف من العولمة هو محو ثقافتنا وهويتنا، فبلا شك نرفض هذه العولمة، طالما أنها تصطدم معنا، وتفرض علينا ما لا يتناسب مع ظروفنا وحياتنا.
وفى هذا البحث أحاول جاهداً توضيح مفهوم العولمة، وثقافتها، وموقف المؤيدين والمعارضين لها، وأثرها فى المثقف العربى، والخطاب العربى، والثقافة العربية، وكيف نتعامل معها.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل في ميزان الحسنات ، إنه ولي ذلك والقادر عليه
تمهيد:
مفهوم العولمة:
من الطبيعى أن يتفاوت فهم الأفراد للعولمة ومضامينها المختلفة؛ فالاقتصادى يفهم العولمة بخلاف عالم السياسة، كما أن عالم الاجتماع يفهمها فهماً قد يختلف فيه عن المهتم بالشئون الثقافية.
والعولمة لغوياً:
“هى اشتقاق من العالم ومن العالمية” ([1])
ولا شك أن هناك فرقاً بين العالمية والعولمة، لأن الأولى ترتبط بالانتشار، أم الثانية فقد ترتبط بالهيمنة.
واصطلاحياً:
هى مرحلة من مراحل التفكير الإنسانى فى العالم المعاصر، بدأت بالحداثة، ما بعد الحداثة، العالمية، ثم العولمة، ونحن الآن فى مرحلة الأمركة، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة الكوكبة – نسبة إلى كوكب الأرض- ثم يتطلعون بعد ذلك إلى مرحلة الكونية ([2])
وعلماء الغرب يعرفون العولمة بأنها : “تداخل بين الاتجاهات المختلفة فى العالم، ولها صبغاتها المختلفة، صبغات اقتصادية – فى أغلب الأحيان- صبغات سياسية، صبغات ثقافية، صبغات حضارية. كما يصفونها بأنها اتجاه كاسح لابد من ملاقاته سواء رضينا أم أبينا، ويشبهونها بالموت” ([3])
ويعرف الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله العولمة بقوله :” الكوكبة أو العولمة هى: التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداء يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية” ([4])
ويعرف محمد إبراهيم مبروك العولمة بقوله : “إنها تناظم شيوع نمط الحياة الاستهلاكى الغربى، وتناظم آليات فرضه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً بعد التداعيات التى نجمت عن انهيار الاتحاد السوفيتى، وسقوط المعسكر الشرقى” ([5])
من هنا يمكن القول إن العولمة نسق معين سياسى، اقتصادى، ثقافى، عسكرى، ينتقل من بيئة إلى أخرى، وغالباً ما يكون الانتقال من بيئة حضارية متقدمة إلى بيئة حضارية من دول العالم الثالث؛ فالمستعمرون يقلدون المستعمرين، وهذا ما تفرضه العولمة الآن.
والعولمة عملية سيادة وتعميم يصاحبه عملية إلغاء وتعتيم، فالعولمة: سيادة الأقوى، وتعميم مصطلحاته ومقولاته، وسياساته، مع إلغاء الآخر والتعتيم على أدواره وفعالياته فى غالب الأحيان.
ولعل التركيز على البعد الاقتصادى فى تعريف العولمة نابع من كونها نتاجاً لتطور النظام الرأسمالى وحاجته إلى التوسع المستمر فى الأسواق، وعلى الرغم من غلبة البعد الاقتصادى على أغلب تعريفات العولمة، إلا أن دلالة المصطلح فى تطورها استقرت على أنها: ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك، ويكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية، ويحدث فيها تحولات على مختلف الصور تؤثر فى حياة الإنسان فى كوكب الأرض أينما كان.
هذه التعريفات تتباين فى درجة قبولها وخطورتها، حيث نجد أن أكثر المفكرين المسلمين ينبه على خطورته مع التركيز على الاقتصادى كما فعل د. سعد البازعى حيث يقول: “العولمة هى الاستعمار بثوب جديد، ثوب تشكله المصالح الاقتصادية، ويحمل قيماً تدعم انتشار تلك المصالح وترسخها، إنها الاستعمار بلا هيمنة سياسية مباشرة أو مخالب عسكرية واضحة.. إنها بكل بساطة عملية يدفعها الجشع الإنسانى للهيمنة على الاقتصاديات المحلية والأسواق وربطها بأنظمة أكبر والحصول على أكبر قدر من المستهلكين، وإذا كان البحث عن الأسواق والسعى للتسويق مطلباً إنسانياً قديماً وحيوياً ومشروعاً، فإن ما يحدث هنا يختلف فى أنه بحث يمارس منافسة غير متكافئة وربما غير شريفة من ناحية ويؤدى من ناحية أخرى إلى إضعاف كل ما قد يقف فى طريقه من قيم وممارسات اقتصادة وثقافية” ([6])
المبحث الأول
ثقافة العولمة
فكرة العولمة تمتد جذورها الأولى من خمسة قرون بظهور فكرة الدولة القومية محل فكرة الإقطاعية.. ومع زيادة التقدم أصحبت الدولة لا تستوعب حجم السوق فظهرت الشركات متعددة الجنسيات، وحلت فى مجال السوق محل الدولة تدريجياً، حتى أضحى العالم مجالاً لعمل هذه الشركات التى تبلغ أكثر من 400 شركة تزيد قيمة رأسمالها عن ميزانية مجموعة من الدول النامية ([7])
ويقصد بثقافة العولمة الإطار المعرفى الذي يجعل النظام الرأسمالى مقبولاً من سائر الشعوب، ولا يكون فى هذه الحالة فى صورة ظاهرة تتمثل فى إخضاع عقل هذه الشعوب لتقبل النظام الرأسمالى فحسب، بل إعلاناً للتكييف من قبل مفكرين استراتيجيين مخططين لوضع دعامات فكر بعينه ييسر تقبل فكرة الانخراط فى حركة الرأسمال وسيرورته كما يحلو للغرب أن يسيره ([8])
والكلام فى ثقافة العولمة متشعب، ومن الصعب حصره أو الإلمام به، ولكن يمكن القول: إن الإطار الفكرى أو الثقافى لأفكار دعم الرأسمالية يعمل بدأب على إقناع الشعوب بموافقته للعقل؛ لأنه يحقق رغبات الأفراد بحرية مطلقة، وإذا اعتبرنا أن هذه الأفكار تقف على قاعدة أساسية تمثل نظرية خاصة بالمجتمع الرأسمالي، فإن هذه النظرية “تزعم أن الرأسمالية مشروعية أزلية، بحيث صارت نظاماً يمثل نهاية التاريخ” ([9])
ومشروع الرأسمالية لا يقتصر على قاعدته الاقتصادية فحسب ، بل ينحو إلى إيجاد نظرية متكاملة، وإن كان الاقتصاد قاعدتها، فإن أركانها تقوم على تحقيق رغبات أفراد المجتمع، كما تفرض أنماطاً اجتماعية وسياسية، وثقافية، وأنماطاً معيشية تمتزج بالقاعدة وتتفاعل معها لتصبح نمطًا رأسمالياً معولماً، يخبئ فى بطنه رغبة كامنة تظهر وقت الحاجة، عندما يشعر أصحاب النظرية الرأسمالية بخطر يتهددها، وعند ذلك تكشر الرأسمالية عن أنيابها، وتكشف مخالبها كما حدث فى حرب الخليج، ومحاصرة شعوب العالم الثالث، واتخاذ قرارات تعسفية إزاء رفع دول الخيج لأسعار البترول، وفى فرض الخطر النووى على الدول الإسلامية وتهديدها بشتى العقوبات.
وهكذا فإن الرأسمالية تفرض نفسها على الشعوب بما يتلاءم مع مصالحها، ويقف سياسيون محترفون، ومثقفون استراتيجيون وراء فرضها على العالم وفى مقدمة هؤلاء: “فرانسيس فوكوياما” وكتابه: نهاية التاريخ، و”صمويل هنتجتون” فى كتابه : صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمى، وهى أفكار رئيسية تعضد نظرية العولمة الأمريكية، وربما تعضدها أعمال أخرى لمثقفين استراتيجيين من النوع نفسه، إلا أن هذه الأعمال تقوم بدور المحاور الأساسية، فإذا كان ثمة أفكار أخرى فهى تدور فى فلكها.
فالعولمة ليست قاطرة للتنمية الشاملة بقدر ما هى قضبان يسير عليها فكر جديد ([10])، وهي عودة للفلسفة القائمة على فكر القوة والغلبة لمن يستطيع أن يدخل فى المنافسة ([11]).
إن ثقافة العولمة ثقافة أمريكية بالدرجة الأولى، والثقافة الأمريكية ثقافة برجماتية أداتية عملياتية، سواء فى إطارها العرفى العام أو فى جزئياتها داخل الإطار المعرفى العام، ترمى إلى تفعيل البعد النفسى للفرد فيقبل كل متواضعاتها، وإن أثر ذلك سلباً فى البنية الاجتماعية الموضوعية.
إن هذه الثقافة تخدم ثقافة السوق الاستهلاكية طبقاً للصورة المهيأة للعالم من المنظور البرجماتى، ومن ثم فهى تهيئ الفرد نفسياً وسلوكياً ليكون خاضعاً لآلياتها مستجيباً لمتطلباتها، دونما تفكير فى الاعتراض أو التعديل.
ومخططو هذه الثقافة فى مجالاتها التسويقية لا يعنيهم احترام البعد الأخلاقى فى الإنسان، بقدر ما يهمه نجاح خططهم فى تحويل كل المجتمعات إلى مجتمعات مستعدة لقبول هذه الثقافة وتسويقها حتى ولو سحقتهم آليات السوق الجهنمية ، فهم يكيفون الفرد لآلياتهم المعرفية فيعيش فى حلم الخلاص الفردى دونما إحساس بما يمكن أن يتعرض له الأفراد من سحق السوق المعولمة الوحشية لهم، فهذه الثقافة الأداتية تجعلهم يعيشون فى حلم الخلاص الفردى الذى يحقق للإنسان ذاتيته نفسياً وسلوكياً ، ويعيّشه فى وهم الصعود الثقافى باعتناق ثقافة الديمقراطية الحرة بمفاهيمها التى تقصي التراث الدينى والثقافى للفرد إقصاءً يطمسه فى مشاعر الوهم الذاتى كما تجعله فى الوقت نفسه يعيش فى وهم الصعود الاجتماعى الاستهلاكى، وينتهى به الحال إلى تمزيق العلاقات الإنسانية التراحمية، لتحل محلها العلاقات التعاقدية النفعية ([12]) .
” من هنا فإن من حق البعض ألا يتفاءل كثيراً بحلول عصر العولمة الثقافية التى قد تتحول تدريجياً إلى فرض عالمى لثقافة الغنى، مع محو تدريجى لثقافة الفقير، واستبدالها بما يتناسب أو ينسجم مع مكوناته وأصوله الثقافية والحضارية، مما يثقل من كاهل هذه الظاهرة أولها: محاولة إزالة فقره مع محاولة الحفاظ على ثقافته وهويته، ثم وقاية نفسه من مؤثرات الثقافة الأخرى التى قد تسهم سلباً فى محاولة إزالته لفقره”([13])
وفى إطار العولمة ينساق كثير من الدول فى سباق نحو القاع أو الهاوية، إذ إنها فى إطار التسابق إلي مزيد من الإعفاءات والحوافز والميزات النسبية التى تعرضها على المستثمر الأجنبى لجذب الاستثمارات العالمية تجد نفسها فى مواجهة عجز متزايد فى إيرادتها ، كما أنها فى إطار الاستجابة لشروط العولمة تجد نفسها مضطرة إلى تقليص أو إيقاف الدعم لغير القادرين وإلغاء التأمين على المهمشين والأفراد الأكثر تعرضاً للمخاطر وعلى حد قول د. جلال أمين: ” فإن بعض الدول تتحول إلى صورة كوميدية لها كل المظاهر الخارجية للدول ذات السيادة ولكنها فى الحقيقة تنحصر مهامها فى عملية الإخلاء والتسليم والتسلم ([14])
وإذا كان مثقفو الغرب ومفكروهم أصحاب المواقع الراسخة المؤثرة فى الثقافة فى العالم المعاصر ينشدون ثقافة بلا حدود تواكب الاتجاه العولمى وتسايره كما يبدو فى الرؤيا الثقافية فى الغرب، فإنهم فى حقيقة الأمر يصنعون مبررات سيطرة الثقافة الغربية بلا حدود “وهو الأمر الذي قطع شوطاً مهماً من الإنجاز على أرض الواقع، فى ظل اتجاه متزايد نحو عالم بلا حدود ثقافية ” ([15])
وهذه الفكرة – فكرة ثقافة بلا حدود – لتواكب العولمة التى يروج لها مفكرو الغرب، وخاصة فى الولايات المتحدة، تبزغ فى العالم فى نفس الوقت الذي يحافظون فيه على مقومات الدولة القومية لأنها أساس “الوحدة الرئيسية والمحورية فى النظام السياسى العالمى المعاصر” ([16])
إن الضغوط تتوالى من أجل فرض أسس ثقافية نمطية تستغل دعاوى الديمقراطية والمشاركة، والمكاشفة، وحقوق الإنسان إلى غير ذلك من العناصر التى يمكن أن تشكل قواعد صالحة للتطوير والتحوير لو أنها صيغت فى إطار المنظومة الثقافية الوطنية، بينما تعمل أدوات الاتصال والمعلومات جاهدة من أجل غرس قيم وتمجيد ما يعتبر ثقافة عالمية جديرة بالاعتبار ([17])
كما أن هناك محاولات للتغلغل فى ثنايا المجتمعات عن طريق ما يسمى بالمجتمع المدنى والمنظمات الأهلية التى يفترض فيها أن تقوم بمساعدة الأهالى فى مختلف المستويات والمناطق على اكتساب قدرات لحل مشاكلهم، لتصبح أدوات إشاعة مفاهيم تتفق ومقومات ثقافية وحضارية غربية، ويستغل فى ذلك ما تقدمه الدول المتقدمة من معونات([18])
يقول الدكتور محمد عمارة: ” إن العولمة لا تثمر اعتماداً متبادلاً، ولا تثمر العالمية التى هى مطمح الشعوب وأمل الحضارات، ومطلب المستنيرين، إنما تثمر تزايد الخلل فى علاقات الأقوياء بالمستضعفين الساعين إلى النهوض والانعتاق من مأزق التخلف والاستضعاف .. وهم يبشرون بالعولمة لا باعتبارها أحد الخيارات المطروحة وإنما باعتبارها قدراً لا سبيل إلى الفرار منه” ([19])
ومما يدل على ذلك أن الأنماط الاستهلاكية التى بدأت تسود فى العالم العربى والإسلامى بدءاً من مشروب الكوكاكولا والبيبسى وسندوتشات الهامبرجر والمطاعم والملابس والأفلام والمسلسلات والتقاليع والأنماط الغربية وجدت صدى لها فى الشارع العربى والإسلامى!!
ومن ثمّ نجد أن “العولمة الثقافية تريد أن تسلخنا من جلدنا وأن تنزعنا من هويتنا أو تنزع منا هويتنا، وأن تنفق فى أمتنا بضائعها الفكرية ومعلباتها الثقافية الملوثة بالإشعاع الحاملة للموت والدمار” ([20])
إن العقل الغربى الذى أوصل صاحبه إلى امتلاك التقنية، أجبر الإنسان على أن يتخلى عن عقله، لأن الآلة تقوم بكل شيء أو لأن التقنية لا تطور الأشياء تطوراً حراً، إذ إنها تطور الماديات أما الأخلاق والمواهب الإنسانية فإنها تقتلها قتلاً.
إن الإنسان يسير داخل هذا المجتمع معتقداً أن النظام الديمقراطى أعظم النظم السياسية، ويرى ذاته فى إنجازات التقدم الصناعى فى تلك السيارة والتلفيزيون والكمبيوتر، وأطعمة بعينها، وأزياء خاصة، ومن ثم فإن هذه الحرية التى يفتخر بها المجتمع الأمريكى مفروضة على المواطنين دونما اختيار، لأن الفرد فى هذا المجتمع يختار ما هو محدد له بالفعل، وعن هذه الحرية تحدث “ماركيوز” كما تحدث عن الأفراد الن يتمتعون بها ووصفهم بالعبيد فقال: ” إن عبيد الحضارة الصناعية المتقدمة عبيد راقون، لأن الحرية لا تتحدد بمجرد الطاعة، ولا بالعمل الشاق الذى يقوم به الإنسان، إنما تتحدد بقدر ما أن يكون الإنسان شيئاً”([21])
المبحث الثاني
العولمة بين المؤيدين والمعارضين
لا شك أن العولمة ليست وجهاً واحداً وإنما أخطبوطية تشمل الاقتصاد والسياسة والفكر والدين والأخلاق والثقافة والتقاليد والعادات، ولو فرضنا أن الهدف الأساسى هو السيطرة الاقتصادية فإنها لا تتم بغير معاوناتها الأخرى([22])
والعولمة نوع من الاتحاد بين البشر كافة بهدف تعميم السيادة على حساب التنوعات والخصائص الفارقة للأمم والثقافات ([23])
وذهب البعض إلى أن العولمة “مصطلح ومفهوم تدار من قبل السياسات الاقتصادية والتفاعلات المالية والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين ([24])
إن ظاهرة العولمة تعد تحدياً اقتصادياً وثقافياً خرج من بطن أعظم قوة فى العالم اليوم وأخطرها، وأكثرها جنوحاً للبطش والهيمنة.
والأمر اللافت للنظر والفكر معاً أن قضايا العولمة وإشكالياتها طرحت كظاهرة، والظاهرة لا فكاك منها، فهى تتلبس المهتمين بها فتشغلهم، خاصة إذا كانت الظاهرة تدور حول قضايا تهم كل الموجودين فى المحافل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية، فضلاً عن المنتديات الوطنية فى الوطن الواحد أو خارجه، بحيث لا تنفك عن قضاياه.
ومن هنا كان هناك من يدعو إلى العولمة والأخذ بها، وفريق آخر يحذر من خطرها على هويتنا وثقافتنا والبعد عنها.
أولاً: المؤيدون للعولمة:
لا شك أن الذين يؤيدون فكرة العولمة، والأخذ بإيجابياتها يستندون إلى أنها أحدثت نقلة نوعية فى عالم المعلومات فى كل ميادين المعرفة، وقربت المسافات، واختصرت الزمن، وكما يقول الدكتور “حامد عمار” ” لا مناص من وضع أنفسنا فى توجهات العالم الذي نضطرب فيه ومعه، ومن الاشتباك مع القوى الحاشدة التى تشكل حركته. وليس من المستغرب، بل إنه من المطلوب – أن يتساءل المرء مع تدفق تيارات العولمة، وما بعد التصنيع، وما بعد الحداثة، هل نحن – واقعاً ووعداً – بإزاء عالم جديد حقاً؟ وهل هو عالم – كما يدعى أقطابه – مبشر فى أحد وجهي عملته بالعيش المشترك وبحقوق الإنسان، وبالعدل الاجتماعى؟ وهل نحن متجهون نحن التلاقح الخصب بين الحضارات؛ من أجل تأسيس ثقافة “التنوع الإنسانى المبدع” ([25])
ولعل الداعين إلى مواكبة العولمة ينطلقون من حيث انتهت مقولة “فرانسيس فوكوياما” (الرأسمالية الحرة نهاية التاريخ) أى أن التاريخ بحسب رأيه – لم يعد قادراً على استيلاء مذهب اقتصادى بعد الرأسمالية الحرة، التى تفترض توحد الحركة المالية والسوق فى العالم كله، بمساندة الديمقراطية الأمريكية ووسائلها.
إن العولمة بهذا المعنى تشبه القطار، وهو قطار برجماتى قوى يحكم على من يمر به، بأن يركب فيه، وإلا بقي وحده منفرداً لا يحمله شيء إلى حيث يريد، وكأن ذلك الذي يتخلف عن الركب يتحدى المعايير الدولية فى سباق العولمة، بل يتحدى ذلك الحلم الرأسمالي الذي يبدو في العقل الأمريكي نبوءة إنسانية مقدسة ([26])
إن المؤرخ الأمريكى “بول كيندى” فى كتاب الإعداد للقرن الحادى والعشرين يجسد للعالم هذه النبوءة – ذات القدسية – فالعولمة برأيه ظاهرة إنسانية تقدميه تطورية، خرجت من رحم حس إنسانى وجودى راق، تولدت من رحم الثورات الصناعية المتعاقبة، ولا سيما من الثورة الإلكترونية، وثورة علوم الليزر، وثورة المعلومات والاتصالات، والهندسة الوراثية، وثورة المواصلات التى اختزلت المسافات وضيقت الفجوة بين الخلافات الحضارية والمذهبية ، وجعلت الحدود السياسية وسيلة تنظيمية، وليست عقبة عسكرية، ويسرت انتقال رؤوس الأموال والأفكار والتقنية، وصيانة البيئة، مؤكدة أن هذه الصيانة تعنى نضج البشرية فى التعامل مع الموارد الطبيعية من ماء وهواء وتربة ومعادن وأشجار ونبات فى إطار التناغم البيئى، باعتبار أن الأضرار بغابات الأمازون، أو الكونغو لا يعنى الإضرار بأبناء أمريكا الجنوبية أو إفريقيا فقط بل الإضرار بأبناء أوروبا وآسيا([27])
وكما يقول ويذهب البعض أنه ” لا يمكن لأية دولة أن تعيش بمعزل عن العولمة فهى أمر واقع، وأنها قد ولدت لتبقى، وأن التفاعل معها بعقل متفتح وتخطيط واقعى طموح يتوخى تأمين أكبر قدر من الإيجابية وتجنب أكبر قدر من السلبية هو السلوك الأكثر جدوى للحاضر والمستقبل ([28])
وقد أحصى “بول فاليرى” فى كتابه “نظرات على عالم اليوم” خمس سمات للعولمة هى:
- الجرد العام للموارد.
- الأرض الصالحة للسكن معروفة ومتسكشفة ومسجلة ومقسمة.
- الترابط بين أطراف الكرة الأرضية.
- تضامن جديد مفرط وفورى.
- العادات والطموحات ومشاعر الود التى انعقدت أواصرها خلال التاريخ السابق ([29])
ويذهب البعض إلى أن العولمة أدت إلى وحدة القيم الثقافية، فمن يقرأ “همنجواى” الأمريكى، و”تشيكوف” الروسى، و”طاغور” الهندى، و”جونتر جراس” الألمانى، و”برناردشو” الأيرلندى و”نجيب محفوظ” المصرى؛ وكلهم أبدعوا فى ظل مجتمعات وظروف ثقافية مختلفة يدرك على الفور على الرغم من اختلاف اللغة والهوية والقومية أنهم اشتركوا فى الدفاع عن قيم ثقافية واحدة”([30])
ولعل الثورة الهائلة في وسائل الاتصال، ونقل المعلومات، والتدفق الإعلامى عبر الحدود الوطنية للدول؛ قد ترتب عليها اختصار غير معهود للزمن والمسافات بين مختلف مناطق العالم ، الأمر الذى جعل أفكارنا ومفاهيمنا عن الظواهر والأشياء تتأثر إلى حد بعيد بالأحداث الجارية والتطورات المتلاحقة على امتداد العالم ([31])
والمؤيدون للعولمة يستندون إلى أنه “ليس بوسع أحد أن يغفل الدور الحاسم للحاسبات الإلكترونية كسمة مميزة لثورة المعلومات الهائلة التى اصطبغ بها النظام الدولى المعاصر فى السنوات القليلة الماضية، وخاصة فى مجال الدفاع وبناء القدرات العسكرية للدول، وقد تميزت هذه الثورة بأربعة سمات:
- ساعدت فى اختصار المدى الزمنى الذي يفصل بين كل ثورة صناعية وأخرى.
- الاعتماد على نتائج العقل البشري وعلى حصيلة الخبرة والمعرفة التقنية، فيحدد ثمن القيمة بالمعرفة والتكنولوجية المستخدمة وليس على المواد الخام.
- مواكبة هذا التطور تستلزم استثماراً فى مجالات بعينها خاصة التى تتعلق بأمور التعليم وتطوير المهارات البشرية، وتنمية كوادر وقدرات تستطيع التعامل والتكيف مع هذه الثورة.
- فى خلال ذلك يتحتم استغلال الطاقات البديلة، والاستفادة من الطاقة الشمسية، واقتحام مجال الهندسة الوراثية وتكنولوجيا إنتاج الطعام الرخيص بكميات وفيرة ([32]).
وقد “انعكست ظاهرة العولمة على الإدارة، فجعلت المدير العربى – شأنه شأن المديرين العالمين- مطالباً بألا يعايش متغيرات بيئته المحلية أو الإقليمية فقط، بل أيضاً كل المتغيرات العالمية كمنطق أساسى لبلوغ كفاءة وفاعلية الأداء الإدارى ” ([33])
ومن المؤكد أن أبرز المظاهر السياسية للعولمة النزوع إلى الديمقراطية؛ فمما لا شك فيه أن ثمة حالة من التطور الديمقراطى على المستوى العالمى أخذت تجد تطبيقات متعددة لها فى الدول المختلفة بما فى ذلك بعض دول العالم الثالث ([34])
فالنظام الدولى يتسم فى هذه المرحلة من تطوره بتعددية قطبية فى مجال الاقتصاد، وأحادية قطبية على المستوى الاستراتيجى والعسكرى ([35])
ويذهب البعض إلى أن قوة وانتشار العولمة الذي تدعمه الحكومة الأمريكية والنخبة السياسية والإعلامية الفعالة فى واشنطن إلى جانب الشركات الجبارة الأمريكية متعددة الجنسيات هى التى تسيطر الآن على تشكيل “بنية” العولمة، وتستهدف إشاعة وسيادة قيم أسلوب الحياة الأمريكية؛ ولعل ذلك هو ما دفعنا لأن نعبر عن العولمة الآن بأنها أمركة ([36])
وبناء على ما سبق يرى هؤلاء المتفائلون أن العولمة أمراً واقعاً، فهى برأيهم ليست فكرة من الأفكار التى تطرح لمجرد النقاش والحوار والجدل، ثم تنتهي فورتها. وهذا الأمر الواقع برأيهم يحتم طريقة واقعية فى التفكير، لأن العولمة فيما يذهبون آخر أبناء الحضارة الغربية، التى يجب على العالم أن يحصد مكاسبها، وخاصة أن القطار الغربى ورأسه وقاطرته الولايات المتحدة الأمريكية يصر على تسيير المسيرة البشرية العالمية.
ويصور الدكتور “على الدين هلال” هذا الأمر فيقول: “إن العولمة تشبه قطاراً تحرك بالفعل فى الوقت الذي لا يزال البعض يتساءل: هل وجود هذا القطار وحركته شرعية أم لا؟ مع أن سؤالهم وكل قدراتهم لا تملك أن تمنع وجود هذا القطار، أو شل حركته”. ([37])
ومن أكثر الآراء تفاؤلاً بالعولمة الدكتور محمود حمدى زقزوق فهو يرى عدم جدوى رفض العولمة سواء من منظور كونها المادة والقوة، أو من منظور إسلامى يهتم بالمادة والقوة.
ويؤكد أنه لا خشية على قيم الإٍسلام من العولمة؛ لأن الإسلام يحمى المسلمين من خطرها؛ فالإسلام ضاربة جذوره فى قلب المسلم، لا تنال منه القيادات الوافدة، مهما كانت قوتها فضلاً عن أن العولمة – بحسب رأيه – أمر واقع لا يجدي معه أسلوب الرفض، ومن هنا فالواجب أن نتعامل مع العولمة على أساس أنها ليست شيئاً كله شر، فلنأخذ خيرها، ولنترك شرها، وإلا تجمدنا وتقوقعنا، وفقدنا القدرة على حماية هويتنا الإسلامية، والمحافظة على جوهر الإنسان الذى لا يتمثل فى حياته المادية البحتة فحسب، ولكن فى جانبه الروحي أيضاً ([38])
ثانياً: المعارضون للعولمة:
يتبنى المعارضون للعولمة روآهم على ما تجلبه العولمة من تغيير البنية الأساسية لكل مكونات الحياة على المستوى السياسي والاقتصادي، والاجتماعي، والإعلامي، والثقافي.
مما جعل البعض يقول: ” إن العولمة تعطى الناس إحساساً بأنهم محبوسون فى سجن الأرض، وهذا الإحساس لا يمكن إلا أن يفاقم الخوف والإحباط والحرب، وجعل الإنسان يشعر بأنه محروماً من كل حرية، من كل شيء لما لا نهاية، وقريباً سيسود مناخ بنهاية العالم، وتنتشر الديانات التى تبشر بالويل والثبور وعظائم الأمور”([39])
ومن هنا ظهر خطاب معارض للعولمة كاشف لمثالها، وشارك فيه باحثون ومفكرون من مختلف أنحاء العالم.
ولعل أكثر الكتابات تشاؤماً من العولمة، كتاب: (فخ العولمة) “لبيتر مارتن” و “هارالد شومان” ([40])، فقد فندا العولمة فى مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والإعلامية، وحاولا التأكيد على أن العولمة فى مختلف أبعادها ستزيد معدلات البطالة وانخفاض الأجور، واتساع الهوية بين الفقراء والأغنياء، وتقليص دور الدولة فى مجال الخدمات كالصحة، والتعليم ونحو ذلك.
ولا يرون فى العولمة إلا الهجمة الجهنمية للرأسمالية لكي تنهى التاريخ لمصلحتها، إنها هجمة لإبعاد الحضارات الأخرى بكل إنجازاتها العلمية والمادية والإنسانية لتفريغ الكون من كل الحضارات إلا حضارة الرأسمالية الأخيرة.
“وأول مظاهر العولمة هو عولمة السياسة بمعنى إخضاع الجميع لسياسة القوى العظمى والقطب الأوحد فى العالم وهو الولايات المتحدة الأمريكية” ([41])
ويذهب البعض إلى أن “العولمة ليست مجرد هيمنة الغرب على بقية العالم، إنها تؤثر فى الولايات المتحدة كما تؤثر فى البلدان الأخرى ([42])
ونجد سمير الطرابلسى ينبه إلى خطورة العولمة التى تشكلها الولايات المتحدة بجميع جوانبها المهمة حيث يرى أنها الرؤية الاستراتيجية لقوى الرأسمالية العالمية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، والرامية إلى إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها ، وأطماعها، سائرة نحو ذلك الهدف على ثلاثة مسارات متوازية؛ الأول: اقتصادى وغايته ضغط العالم فى سوق رأسمالية واحدة، يحكمها نظام اقتصادى واحد، وتوجه القوى الرأسمالية (الدول الصناعية السبع والشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات الاقتصادية العاليمة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية) وتضبط حركت قوانين السوق وآلياته. والثانى: سياسى ويهدف إلى إعادة هيكليات أقطار العالم السياسية فى صيغ تكرس الشرذمة والتشتت الإنسانيين، وتفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزعات قبلية عرقية أو دينية طائفية أو لغوية ثقافية، بغية سلب أمم العالم وشعوبها القدرة على مواجهة الزحف المدمر للرأسمالية العالمية والتى لا تستقر إلا بالتشتت الإنسانى. وأخيراً المسار الثقافى الذي يهدف إلى تعويض البنى الثقافية والحضارية لأمم العالم، بغية اكتساح العالم بثقافة السوق التى تتوجه إلى الحواس والغرائز، وتشل العقل والإرادة، وتشيع الإحباط والخضوع، وتشهد منطقتنا العربية ترجمة لهذه التوجهات من خلال مشاريع الشرق أوسطية والمتوسطية ([43])
وكتب فيها الأمير شكيب أرسلان موضحاً أنها نموذج من مخططات الاستعمار ([44])
والعولمة أشد خطورة على الدول الضعيفة، فهى مرتبطة بتهميش الدول المفككة لأنها تستمد هويتها من الاعتراف الدولى الذي تقبض عليه الهيمنة الأمريكية، ومن دار فى فلكها من الدول الأوروبية، فهؤلاء هم الذين يمنحون شهادات ميلاد الدول ووفاتها ([45])
ويقول الدكتور حامد عمار: “ليس بمستغرب أن يكرس مفكر أمريكى مثل “نعوم تشومسكى” تحليله وشواهده لهذا الوجه المهيمن كتابه المعنون والنظام العالمى القديم والجديد ” مدللاً – حتى من خلال الغلاف – الذي يظهر فيه العنوان معدولاً ومقلوباً على أن النظام العلمى لا يختلف كثيراً عن القديم فى مقاصد السيطرة على دول الجنوب”([46])
ففى المجال السياسى: نجد أن التناقض الموجود بين الديمقراطيات المحلية، وديمقراطية العولمة التى حولت السلطة من الحكومة (الدولة) إلى الشركات متعدية الجنسيات، العابرة للقارات، ساعد على نشأة نوع من البيروقراطية الدولية الناشئة عن تحكم هذه الشركات فى سياسة الدولة وتهديدها بإخراج أموالها من أوطانها.
“وعولمة السياسة تزعم أنها تعمل على إشاعة الديمقراطية الليبرالية فى العالم وترعى حقوق الإنسان، وتحامى عن المضطهدين والمعذبين فى الأرض، وهذا صحيح بالنسبة لغير المسلمين، أما بالنسبة للمسلمين فهم يؤيدون الديكتاتوريات المتسلطة والديمقراطية الزائفة، وديمقراطية التسعات الأربع المشهورة 99.99 % ” ([47])
ومن إفرازات رأسمالية العولمة تفكيك الدول، ونشر الفتن فيها لإشعال الحروب الأهلية والعرقية، وبروز جديد لعصابات المافيا العابرة للقارات أى عولمة الإرهاب المنظم.
يقول مارتن وشومان ” إن الرأسمالية النفاثة التى تبدو وكأن انتصارها على المستوى عالمى قد صار أمراً حتمياً، فى طريقها لهدم الأساس الذي يضمن وجودها أعنى الدول المتماسكة والاستقرار الديمقراطى” ([48])
وفى المجال الاقتصادى: المقصود بالعولمة : هو جعل العالم سوقاً واحدة مفتوحة أى العودة إلى آراء “كنز” من إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول، وكذلك كافة القيود التى تحول دون حركة البضائع والخدمات ورؤوس الأموال، فيمكن لأى شركة صناعية أن تقيم مصانع فى أى دولة، ويمكن لأى بنك أو شركة تأمين أو مكتب محاسبة أو هندسة أن يفتح فروعاً له، كما تنتقل رؤوس الأموال من عملة إلى أخرى كما تشاء، وتشمل العولمة أيضاً تحويل ملكية الدولة والقطاع العام للمشروعات إلى القطاع الخاص (وهو ما يسمى بالخصخصة) كما تشمل تحرير أسواق المال والأوراق المالية من أى قيود بحيث تتداول العملات والأسهم دونما قيود فيشتريها من يريد وبأى قدر يريد([49])
ويرى البعض أن “العولمة العالمية بما تعكسه من زيادة فى تدفقات رؤوس الأموال قد تحمل معها مخاطر جمة وأزمات متعددة مثلما قد تحمل معها الفوائد والمزايا ” ([50])
والعولمة فى وجهها الاقتصادى هى السيطرة الكاسحة لرأس المال الغربى على اقتصاديات العالم الثالث، ووضعه بين فكى الكماشة سواء بخفض أسعار الخدمات أو رفع أسعار الإنتاج مع تخدير الدول وشعوبها بالرواج الاقتصادى الذى سيحدث لهم نتيجة العولمة ([51])
ويقود التركيز على السوق العالمية مقابل السوق الوطنية إلى نشوء اتجاهين يهددان بالقدر ذاته البرنامج الاقتصادى الذى أعطى للدولة الوطنية قوتها ورصيدها السياسى فى الحقبة الماضية.
فمن جهة تؤدى المنافسة المحمومة إلى ارتحال الصناعات إلى البلدان التى تقل فيها تكاليف العمل والإنتاج مما يحكم على الدول الصناعية بخسارة مستمرة لفرص عمل عديدة لصالح البلدان الأخرى ويساهم فى ارتفاع معدلات البطالة وتحويلها إلى بطالة دائمة.
ومن جهة ثانية يقود انهيار اقتصاد البلدان الفقيرة التى تنجح فى مواجهة استحقاقات العولمة بصورة إيجابية إلى تفاقم ظاهرة عالمية جديدة هى هجرة اليد العاملة إلى البلدان الصناعية واستيطانها هناك، مع ما ينجم عن ذلك من تزايد مخاطر إعادة تكوين مجتمعات الضواحى الهامشية المستعدة دائماً للانفجار فى البلدان الصناعية ([52])
وفى المجال الثقافى والإعلامى: فقد أصبحت المعرفة قوة كما كانت القوة معرفة، ومن ثم لم يعد دخولنا أو اقتحامنا لعصر المعلومات مجرد خيار، بل غدا ضرورة ملحة، إذ إن المفارقة جلية بين أن نتهيأ لدخوله وأن نتركه يدخل علينا من خارجنا مكتفين بالانبهار بإمكاناته واستهلاك منتجاته وما يمكن أن تحدثه من آثار سلبية ([53])
ولعل أشد ألوان العولمة خطراً وأبعدها أثراً هى عولمة الثقافة على معنى فرض ثقافة أمة على سائر الأمم، أو ثقافة الأمة القوية الغالبة على الأمم الضعيفة المغلوبة، بعبارة أخرى صريحة: فرض الثقافة الأمريكية على العالم كله: شرقية وغربية، مسلمة ونصرانية، موحدة ووثنية، ملتزمة وإباحية ووسيلته إلى هذا الغرض الأدوات والآليات الجبابرة عابرة القارات والمحيطات من أجهزة الإعلام والتأثير بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية بالصوت والصورة والبث المباشر وشبكات المعلومات العالمية (الانترنت) وغيرها ([54])
ويرى البعض أن العولمة الثقافية أخطر من العولمة الاقتصادية بل هى التى تمهد لها: تحرث لها الأرض، وتفتح لها الأبواب، وتسوق منتجاتها بين الشعوب حتى تسوغ عندها، بل تهواها وتركض وراءها ([55])
وعولمة الإعلام عملية تهدف إلى التعطيم المتسارع والمستمر فى قدرات وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات بفضل ما توفره التكنولوجيا الحديثة والتكامل والانفتاح بين وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات ؛ وذلك لدعم عملية توحيد ودمج أسواق العالم من ناحية، وتحقيق مكاسب لشركات الإعلام والاتصالات العملاقة متعددة الجنسيات على حساب تقليص سلطة ودور الدولة فى المجالين الإعلامى والثقافى ([56])
وبغير الإعلام كان من المستحيل للعولمة أن تحدث، إذ يمثل الإعلام إحدى الركائز الأساسية التى قامت عليها العولمة، ويؤكد “فوكوياما” ذلك بقوله ( إن العولمة تعتمد على ثلاثة أسس هى:
1- تكنولوجيا المعلومات والإعلام .
2- حرية التجارية الدولية فى مرحلة ما بعد الشركات متعددة الجنسيات .
3- اقتصاد السوق وحرية الحركة فى الأسواق العالمية([57])
إن مشلكة الهوية الثقافية عندنا إنما تكمن فى المقام الأول لا فى قوة العولمة أو غزو الأمركة، بل لدى أهل الهوية وحماتها من النخب المثقفة([58])
وفى المجال الاجتماعى والبيئى: يرى البعض أن لها آثار سلبية على المجتمع والبيئة، لأن الإنسان فى عالم العولمة يتخلى عن أهم مقومات الإنسانية كمعتقده وثقافته ، ومع أن التطور الإيجابى أفضل من الثبات، إلا أنه يتوقف على المنظور المتغير ، وكما يقول الدكتور جلال أمين ” فالتشبث بالقديم فى كثير من الأحوال هو الأنفع والأصح، بل قد يكون أفضل مائة مرة مما يدعوننا إليه ” ([59])
إن أية حضارة مهما حققت من تقدم لا يعنى الاعتراف بأحقيتها الحتمية فى أن تسود العالم. خاصة حضارة العولمة، حضارة رجل الأعمال الذى لا يعنيه إلا الربح. حضارة الأمريكى الذى لا يفكر إلا فى الربح، فهو على سبيل المثال إذا كان يسير فى بلد مثل ( تايلاند) ورأى فتاة فى الثالثة عشرة من عمرها قال: ” إن هذه الفتاة يمكن أن تصبح مصدراً رائعاً للربح لو استخدمت فى بيت للدعارة” ([60]) حقاً إنها حضارة الربح الشخصية والتنوير، وحرية المرأة.
كما أن العولمة تصدر للأمم مفاهيم الغرب حول الزواج المثلى، والعلاقات الأسرية المفككة، وحقوق الشواذ، وغيرها من المفاهيم التى يسعى الغرب إلى عولمتها وفرضها على الشعوب ، وتخالف كل الشرائع السماوية والأعراف والقيم السائدة فى العالم الإسلامى.
” وقد تبدى هذا بوضوح فى مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان (القاهرة 1992م )، والمرأة ( بكين 1994م) ، وحقوق الإنسان (فيينا 1993م )، وكشفت حرارة المناقشات عن مدى شراسة الهجمة الغربية والحضارة الغربية وتعميقها فى العالم كله” ([61])
وعلى المستوى البيئى فإن دوافع الشركات المتعدية الجنسيات من أجل تحقيق مصالحها ومآربها، فإنها لا تعبأ بتدمير البيئة وتلويثها، وإلقاء نفايات مصانعها فى المياه الإقليمية للدولة (الضعيفة) فتموت الحيوانات المائية التى تمثل أهم مصادر الغذاء، وكذا المحميات الطبيعية كحقول المرجان فى المياه الإقليمية المصرية، وقد تكون هذه النفايات مدفونة فتدمر الإنسان وكل الكائنات ([62])
لكل ما سبق يذهب الرافضون لفكرة العولمة لتأثيرها فى المجالات المختلفة بالسلب سواء كانت سياسية أو اقتصادية ، أو ثقافية وإعلامية، أو اجتماعية وبيئية.
المبحث الثالث
أثر العولمة فى هويتنا الثقافية
هوية الإنسان هى ثقافته وثوابته التى تتجدد ولا تتغير، وهوية أى أمة هى صفاتها التى تميزها عن باقى الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية.
والهوية دائماً جماع ثلاث عناصر: العقيدة التى توفر رؤية للوجود، واللسان الذى يجرى التعبير به، والتراث الثقافى الطويل المدى.
وأهم عناصر الهوية الدين؛ ففى الحروب تذوب الهويات متعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هى السائدة، وغالباً ما تتحدد هذه الهوية بالدين.
والهوية فى غاية الأهمية ومنها تنطلق المصالح، لأن الناس لا يمكنهم أن يفكروا أو يتصرفوا بعقل فى متابعة مصالحهم الخاصة إلا إذا عرفوا أنفسهم، فسياسة المصالح تفترض وجود الهوية.
وإذا كانت هذه هى الهوية ، وهذه أهميتها لكل أحد فإن الهوية عند المسلمين أكثر أهمية، والإسلام بعقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته ولغته هو هوية مشتركة لكل مسلم، كما أن اللغة التى نتكلم بها ليست مجرد أدة تعبير ووسيلة تخاطب، وإنما هى الفكر والذات والعنوان، بل ولها قداسة المقدس التى أصبحت لسانه بعد أن نزل بها نبأ السماء العظيم، كما أن العقيدة التى نتدين بها ليست مجرد أيديولوجية وإنما هى: العلم الكلى والشامل والمحيط ووحى السماء، والميزان المستقيم، والحق المعصوم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهى منظومة القيم التى تمثل مرجعيتنا فى السلوك، وهى ليست نسبية ولا مرحلية([63])
ومن ثم يتفق إعادة العولمة الغربية على اعتبار الإسلام مقدمة الأخطار التى تواجههم فى تقويض أركان دعوتهم فى جانبها الأيديولوجى، وقد ظهرت عقب انهيار الشيوعية كتابات وبحوث ومقالات تحذر من الإسلام على أنه الخطر الجديد([64])
ويحاول بعض فلاسفة العولمة تصورها على أنها “تطوراً حتمياً آتياً لا ريب فيه، ولا قبل لأحد بدفعة أو الوقوف فى وجهه .. دون أن يقدموا دليلاً واحداً على وجود تلك الحتمية التى نكاد نرى فيها ترويجاً مذهبياً وسياسياً أكثر مما نرى فيها من سمات النظر العلمى الموضوعى المحايد”([65])
ويغيب عن هؤلاء “أن لكل مجتمع إنساني خصوصيته الثقافية بحكم تاريخه الاجتماعى الفريد، كذلك هناك خصوصية حضارية مميزة لكل مجموعة من البشر تجمعهم ثقافة مركزية تتنوع بداخلها الأنساق الفرعية للثقافات المحلية”.([66])
ونجد فى المقابل أن الغرب أحرص على هوياته، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين فى مجتمعاتهم ، بل هناك مؤسسات وووزارات خاصة للاندماج وتذويب الهويات.
وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية، وكما قال الرئيس أوزال سنة 1992: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سب ملفق لعدم قبول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى، السبب الرئيسى هو أننا مسلمون وهم مسيحيون.([67])
فالقوى الأوروبية يظهرون صراحة أنهم لا يريدون دولة إسلامية مثل تركيا فى الاتحاد الأوروبى، إنها حرب هويات ليس إلا.
كما نلحظ أن الغرب حريص على فرض قيمه الاجتماعية والثقافية وعولمتها، والتى تمثل أسوأ ما عنده بينما لا يسعى إلى عولمة العلم والتقدم حيث يجب الاحتفاظ به.
ومما يزيد من خطورة العولمة ضعف العالم العربى والإسلامى وهزيمته أمام الغرب، وهذا يزيد من اختراق العولمة الثقافية للهوية، كما قال ابن خلدون “المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب فى شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده”([68])
ولذلك نجد من مظاهر العولمة على الصعيد الاجتماعى والثقافى تزايد انتشار بعض أنماط القيم الثقافية والسلوكيات الاجتماعية الغربية المرتبطة بالملبس والمأكل والتسلية والفن، فضلاً أن العولمة تحمل فكرة استبداد القوى الذى يسخر إرادات الشعوب الضعيفة لصالحه، وتكمن فى فكرة سيطرة المهيمن على الاقتصاد العالمى والقوة العسكرية والإدارة السياسية على شعوب العالم الفقيرة ، بل والسعى لإفقار ما ليست فقيرة، وتكمن كذلك فى فكرة الإذابة التى يقوى عليها من يمتلك أدوات الاتصال والتحكم بها، وبالمعلموات وبإنتاجها وتدفقها دونما مراعاة لثقافات الشعوب وحاجاتها وخصوصياتها وإمكاناتها.
ومما يزيد من خطورة العولمة ذراعها الإعلامى الخاضع للسيطرة الصهيونية والتى تمسك بخيوطها، وتسير فى هذه القوة فى السيطرة مع القوة الغاشمة العسكرية فى فرض العولمة على الآخرين، فوظيفة المنظومة الإعلامية هى أن تتسلى وتتلهى وتعلم وترسخ القيم والمفاهيم والمعتقدات وأنماط السلوك الأمريكى على الآخرين، ولتحقيق ذلك صارت ميزانية الإعلام موازية تماماً لميزانية الدفاع فى بعض الدول.
” لقد أسهم التوظيف الشمولى لآلية التدفق الإعلامى ، والسيطرة على معطيات الحدث وتسويته وقياس ردود الفعل حوله فى ظهور مفهوم العولمة” ([69])
وإذا تأملنا فى الإنفاق المهول على الإعلام فى الغرب يتأكد لنا مدى تأثير هذا الإعلام فى سيطرة النموذج الغربى على غيره، ” فإحصاءات عام (1986 م ) تقول إنه بلغ رقم اقتصاد الإعلام فى الغرب والاتصالات مبلغ (1175) بليون دولار تقريباً منها (505) بلايين للولايات المتحدة الأمريكية، و (267) بليون للجماعة الأوروبية، و (253) بليوناً لليابان، و (150) بليوناً فقط للآخرين فى العالم .. هذه الميزانيات الضخمة للإعلام فى الشمال جعلته يتحكم بقوة فى الإعلام المتدفق، فىاتجاه الجنوب، الأمر الذى أحدث خللاً فى المنظومة الإعلامية، وقد فشلت جميع الجهود والمبادرات التى بذلت فى إطار الأمم المتحدة لوضع أسس لقيام نظام إعلامى جديد يتحقق التوازن بين الشمال والجنوب” ([70])
وهناك الكثير من الدراسات تبين معاناة شعوب شرقية ( ليست إسلامية) وسائرة فى الفلك الغربى كاليابان وكوريا الجنوبية من العولمة، بل نجد – أيضاً – بعض الدول الغربية تشكو من عولمة الثقافة فى الهوية، حيث نجد فرنسا مع أنها دولة غربية ونصرانية ولكن بسبب اختلاف اللغة فإنها أكثر الدول الغربية التى تشكو من عولمة الثقافة وهيمنة اللغة الإنجليزية، والخوف على الهوية الفرنسية، ولذلك لجأ الفرنسيون إلى وضع الثقافة فى خانة الاستثناء، لأنهم تنبهوا إلى أن قوة الإنتاج الثقافى الأمريكى تؤدى إلى التغيير التدريجى فى معايير السلوك وأنماط الحياة([71])
وهناك تخوف فى دول عديدة من تغول الثقافة الأمريكية، منها الفلبين، واستراليا، وكندا، وغيرها من الدول الأخرى.
بعد هذا الخوف من الكثير من دول العالم على هويتهم الثقافية من العولمة الأمريكية، ألا يحق لنا كمسلمين ونحن نحمل أعظم عقيدة وخير لسان نزل به القرآن، وأعظم تاريخ بالإضافة إلى القيم الحضارية العالية أن نخشى من أثر العولمة على هيوتنا !!
إن أخطر ما تدعو إليه العولمة تمتد يدها لأصل العقيدة الإسلامية، لما تدعو له من وحدة الأديان وهى دعوة تنقض عقيدة الإسلام من أساسها، وتهدمها من أصلها، لأن دين الإسلام قائم على حقيقة أنه الرسالة الخاتمة من الله تعالى للبشرية.
إن “العولمة” تسعى لإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية عن الكون والإنسان والحياة عند المسلمين، والاستعاضة عنها بالمفاهيم التى يروج لها الغرب ثقافياً وفكرياً، فالكون فى نظر العولمة الثقافية والفكرية لم يخلق تسخيراً للإنسان، ليكون ميدان امتحان الناس لابتلائهم أيهم أحسن عملاً !! والإنسان لم يخلق لهدف عبادة الله تعالى !! وهذه المفاهيم الأساسية للعقيدة الإسلامية، ليست فى نظر العولمة الفكرية والثقافية سوى خرافة ([72])
إن هذا العالم المادى لا يعرف المقدسات أو المطلقات أو الغائيات، وهدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه التى سيؤدى فى نهاية الأمر إلى السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة ([73])
وإذا انتقلنا من العقائد التى هى أصل الهوية إلى اللسان واللغة التى هى أداة التفاهم والتواصل ، وهى وعاء الفكر وقالبه الحى، وما نراه اليوم من طغيان الثقافة الغربية، حيث تشكل اللغة نسبة عالية من الإسهام فى نقلها، ولا أدل على ذلك من أن (88%) من معطيات الأنترنت باللغة الإنجليزية، و(9%) بالألمانية، و(2% ) بالفرنسية و(1%) يوزع على باقى اللغات([74])
إن إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربى تشير إلى أن شبكات التليفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالى البث كما فى سوريا ومصر، ونصف هذا الإجمالى كما فى تونس والجزائر، أما فى لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد على نصف إجمالى المواد المبثة إذ تبلغ ( 58.2%) ([75])
ومعلوم أثر هذه البرامج على العقائد والقيم والأخلاق والعادات واللغة.
أما إذا انتقلنا إلى السلوك والأخلاق ، فإن المبادئ الأخلاقية التى تتهاوى فى الغرب يوماً بعد يوم حيث سيادة المصالح والمنفعة واللذة وتعظيم الإنتاج والاستهلاك ، والترويج للإباحية والاختلاط، وإغراء الناس بتقليد الأزياء الغربية، وأدوات الزينة، وكذلك التأثير على الروابط الأسرية.
فالعولمة ” تريد أن تجعل النمط الأمريكى سائداً مثل الأمريكى البطل الذى لا يقهر، سواء كان محارباً ، أو ضابط شرطة، أو حتى عندما يتم اقتباس أبطال من العالم الثالث مثل علاء الدين فهو قد يكون عربياً فى الشخصية، ولكنه مصنوع على الطريقة الأمريكية” ([76])
ونرى ونلمس أن “الفضائيات الأمريكية والإسرائيلية الناطق بالعربية تقوم بأكبر عملية غسيل مخ للعرب والمسلمين” ([77])
وكما عبر أحد الباحثين بقوله: إننا نعيش الآن مرحلة يسودها فى كل مكان تفكك للبنى الكلية المجتمعية والاقتصادية والثقافية ([78])
المبحث الرابع
كيف نواجه العولمة ؟
ليس من الحكمة أن نتعامل مع العولمة بمنطق الرفض المطلق، أو القبول المطلق، فالعولمة عملية تاريخية، وبذلك يعد منطقاً متهافتاً ما يدعو إليه البعض من ضرورة محاربة العولمة، فهل يمكن مثلاً محاربة شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت) من خلال إصدار قرار بالامتناع عن التعامل معها، وهل يمكن الامتناع عن التعامل مع منظمة التجارة العالمية رغم سلبياتها المتعددة ؟ وغير ذلك من المؤسسات العالمية التى لا يمكن الانغلاق دونها.
إن الرفض المطلق للعولمة لن يُمكّن الدول والمجتمعات من تجنب مخاطرها، كما أن القبول المطلق لها لن يمكنها من الاستفادة التامة منها.
وكما يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد : ” إن علينا نحن العرب والمسلمين أن نسأل أنفسنا سؤالاً صريحاً، وأن تكون إجابتنا عليه واضحة، هل نحن فى معركة ضد التطورات المصاحبة للتحول نحو “الكوكبة أو العولمة ؟ ” وهل لدينا بديل نعرفه ، ونريد أن نثبت عليه ؟ ” ([79])
وهناك وسائل عديدة لمواجهة خطر العولمة فى المجالات المتعددة:
ففى مجال العقيدة والأخلاق، يجب على الدول العربية والإسلامية تعزيز الهوية بأقوى عناصرها، وهو العودة إلى الإسلام، وتربية الأمة عليه بعقيدته القائمة على توحيد الله سبحانه، والتى تجعل المسلم فى عزة معنوية عالية، وبشريعته السمحة وأخلاقه وقيمه الروحية، فالهزيمة الحقيقة هى الهزيمة النفسية من الداخل حيث يتشرب المنهزم كل ما يأتيه من المنتصر، أما إذا عززت الهوية ولم تستسلم من الداخل فإنها تستعصى ولا تقبل الزوبان.
إبراز إيجابيات الإسلام وعالميته، وعدالته، وحضارته، وثقافته، وتاريخه للمسلمين قبل غيرهم، ليستلهموا أمجادهم ويعتزوا بهويتهم، فقد استيقظت أوروبا من سباتها الطويل فى القرن الحادى عشر الميلادى – على رؤية النهضة العلمية الإسلامية الباهرة، وسرعان ما أخذ كثيرون من شبابها يطلبون معرفتها فرحلوا إلى مدن الأندلس، يريدون التثقف بعلومها، وتعلموا العربية، وتتلمذوا على علمائها، وانكبوا على ترجمة نفائسها العلمية والفلسفية إلى اللاتينية، وقد أضاعت هذه الترجمات لهم مسالكهم إلى نهضتهم العلمية الحديثة.
وفى المجال السياسي: يتم التعامل مع العولمة من خلال:
- إصلاح الأوضاع الداخلية : فالأوضاع الداخلية فى العديد من دول العالم الثالث – ومنها الدول العربية – لا تؤهلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات عصر العولمة وتحدياته، مما يحتم ضرورة الشروع فى عملية الإصلاح الداخلى.
إن الإصلاح السياسى القائم على تحقيق تحول ديمقراطى حقيقى بصورة تدريجية وتراكمية، يحقق العدالة الاجتماعية، ويكافح ظواهر الفساد السياسى والإدارى، يعتبر هو المدخل الحقيقى لبناء دولة المؤسسات وتحقيق سيادة القانون، ويرشد عملية صنع السياسات والقرارات.
- تطوير سياسات التكامل الإقليمى: إن تطوير سياسات التكامل الإقليمى بين دول العالم الثالث، أصبح ضرورة وذلك نظراً لعمق التحديات التى تطرحها العولمة على هذه الدول ومحدودية قدرتها على التعامل معها فرادى.
إن أغلب دول العالم الثالث – وعلى رأسها الدول العربية – لا تنقصها هياكل التكامل ولا التصورات والأفكار والبرامج ، ولكن الذى ينقصها هو إرادة التكامل، بما تتضمنه من معانى الحرص والعمل المشترك على تذليل المشكلات والعقبات التى تعيق التكامل.
وفى المجال الاقتصادى: إن لم تقم مجموعة عربية متضامنة، تنسق خططها التنموية وسياستها الاقتصادية ، فإن الوطن العربى لن يستطيع مواجهة المنافسة وميول الهيمنة السائدة على الصعيد الدولى.
” إن المستقبل الذى ينتظر الدول العربية والإسلامية سواء أكان مستقبلاً مشرقاً أم مظلماً إنما يعتمد فى المقام الأول على مدى فعالية الاستراتيجية الاقتصادية التى تتبناها هذه الدول” ([80])
ولذلك يتعين على العرب التركيز على ما يلي:
أولا: تحقيق تنمية عربية نشطة ومتوازنة ومستقلة لا تهدف إلى التقليل من مخاطر تحديات العولمة فحسب ، بل تعمل على رفع مستوى غالبية الناس أيضًا .
ثانيا : إنشاء سوق عربية مشتركة : إن قضية إقامة هذه السوق تستند إلى تعميق مفهوم الهوية العربية والانتماء القومي ، وضرورة دعم الأمن القومي العربي ، إلى جانب المصلحة الاقتصادية المشتركة . فهذه السوق يجب أن تقام تدريجيا بين الأقطار العربية ، أو بين بعضها كمرحلة انتفالية ، لانها سوف تعمل على توحيد هذه الأقطار ، وتعزز الأمن الاقتصادي العربي ، ومن ثم تعزز الأمن القومي العربي .
وعلى المستوى الثقافى: يجب أن نعرف كيف نستطيع فرض أنفسنا وإيصال صوتنا إلى العالم، بحيث نضمن لأنفسنا مكانة فى هذه المسيرة الكونية.
إن حاجتنا إلى تحديد ثقافتنا، وإغناء هويتنا، والدفاع عن خصوصيتنا، ومقاومة الغزو الكاسح الذى يمارسه المالكون للعلم والتكنولوجيا ، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التى لابد منها لممارسة التحديث ودخول عصر العلم والتكنولوجيا.
نحن فى حاجة إلى التحديث ، أى إلى الانخراط فى عصر العلم والتكنولوجيا كفاعلين مساهمين، ولكننا فى نفس الوقت فى حاجة إلى مقاومة الاختراق وحماية هويتنا وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشى تحت تأثير موجات الغزو الذى يمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والتكنولوجيا ، وليست هاتان الحاجتان الضروريتان متعارضتين بل متكاملتين.
إن نجاح أى بلد من البلدان النامية، فى الحفاظ على الهوية والدفاع عن الخصوصية، مشروط بمدى عمق عملية الانخراط الواعى ، فى عصر العلم والتكنولوجيا، والوسيلة فى كل ذلك هى اعتماد الإمكانيات التى توفرها العولمة نفسها، أعنى الجوانب الإيجابية منها.
لست مجبراً أن أكون أميريكياً أو فرنسياً، أو غير ذلك، بل يجب أن أحافظ على هويتى وثقافتى وعاداتى وأخلاقى، مع الاستفادة بالطفرة العلمية الناتجة عن العولمة ، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
- صياغة استراتيجية عربية للتعامل مع العلم والتكنولوجيا الحديثة، وإعادة النظر فى المناهج الدراسية والجامعية على نحو يهدف إلى تأصيل الملامح الحضارية فى الشخصية العربية لمواجهة تحولات عالم اليوم.
- التنسيق والتعاون بصورة متكاملة فى وزارات التربية والتعليم العالى والثقافة والإعلام، والأوقاف والشئون الإسلامية، والعدل، للمحافظة على الهوية الإسلامية من أى مؤثرات سلبية.
- ضرورة خلق إعلام ناضج ، يبنى الإنسان العربى الواعى والقادر على أن يكون فاعلاً فى حوار الثقافات، ومصوناً ضد أخطار العولمة، ومحافظاً على هوية الأمة وقيمها.
- ضمان الحرية الثقافية وتدعيمها، حيث إن حرية الثقافة وإن كانت تنبع من العدالة فى توزيع الإمكانات والإبداعات الإنسانية على الأفراد، فإنها فى الوقت نفسه عامل أساسى فى إغناء الحياة الثقافية وزيادة عطائها، ولكن لا يجوز فهم الحرية على أنها فتح للباب أمام كل تعبير، وقبول كل فكر ، ولكن الحرية المقصودة هى الحرية المنضبطة بضوابط.
- التعرف على العولمة الثقافية، والكشف عن مواطن القوة والضعف فيها، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها برؤية إسلامية منفتحة، غايتها البحث والدراسة العلمية ، وفى نفس الوقت نعرّف تلك الثقافات العالمية بما لنا من تراث وتقاليد وقيم اجتماعية عريقة.
ثبت بالمراجع
(حسب الترتيب الأبجدي)
- الإسلام فى عصر العولمة، د. محمود حمدى زقزوق، صحيفة الأهرام القاهرية، (7/5/1999، (21/5/1999م).
- الأهرام القاهرية، (39/3/1999م)
- تبسيط المفاهيم العصرية، العولمة ، محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م .
- التقدم العلمى فى ظل العولمة والنموذج الإسلامى لتفاعل الحضارات د. أحمد فؤاد باشا، مجلة المسلم المعاصر، العدد (95) ، السنة الرابعة والعشرون.
- التليفزيون والعولمة، د. محمد فتحى ، كتاب الجمهورية، 2002م .
- ثورة المهمشين، برهان غليون، موقع الجزيرة نت، نوفمبر 2005م .
- حديث النهايات فتوحات العولمة ومأزق الهوية، على حرب، المركز الثقافى العربى، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م.
- الخروج من فخ العولمة، د. كمال الدين عبدالغنى المرسى، دار الوفاء، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2005م .
- صدام الحضارات.. إعادة صنع النظام العالمى، صمويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، الطبعة الثانية، 1999م.
- الصدام داخل الحضارات التفاهم بشأن الصراعات الثقافية، د. ييتر سنغاس، ترجمة شوقى جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2009م.
- صناعة الغد بين العلم والخرافة، د. فتحى عبد الفتاح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م.
- عالم منفلت كيف تعيد العولمة صياغة حياتنا، أنتونى جيدنز، ترجمة محمد محى الدين، ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة، الطبعة الأولى، 2000م .
- العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية، مركز دراسات الوحدة العربية، تعقيب نبيل الدجان، الطبعة الثانية، 1998م .
- العولمة ، كتاب إقرأ، رقم 636 .
- العولمة، د. جمال الدين عطية ، مجلة المسلم المعاصر، العدد (90)، يناير 1999م .
- العولمة ، د. عبد الخالق عبد الله، عالم الفكر، أكتوبر، العدد (2)، 1999م .
- العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبى، مجلة الرائد، الدار الإسلامية للإعلام، ألمانيا، العدد (236)، مايو 2002 م.
- العولمة والإسلام والعرب، د. السيد أحمد فرج، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1424 هـ – 2004م.
- العولمة والتجارة الإلكترونية رؤية إسلامية، بهاء شاهين، مكتبة الفاروق، القاهرة ، الطبعة الأولى، 2000م .
- العولمة وتحديات العصر وانعكاساتها على المجتمع المصرى، د. بثينة حسنين عمارة، دار الأمين، الطبعة الأولى، 2000م .
- العولمة والتحديات المجتمعية فى الوطن العربى، د. عبد الباسط عبد المعطى، مكتبة مدبولى الطبعة الأولى، 1999م .
- العولمة وحرية الإعلام، د. سعيد بخيره، ظافر للطباعة، الزقازيق، 2000م .
- العولمة ودور جديد للدولة، د. هالة مصطفى، مجلة السياسة الدولية، العدد (134) ، 1998م .
- العولمة السياسية وانعكاساتها وكيفية التعامل معها، د. فضل الله محمد إسماعيل ، بستان المعرفة ، الطبعة الأولى، 1999م .
- العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، دار الكلمة، مصر، الطبعة الأولى، 2000م .
- العولمة فى ميزان الفكر دراسة تحليلية، د. عاطف السيد، مطبعة الانتصار، الاسكندرية، 2001م .
- العولمة قضية الهوية الثقافية فى ظل الثقافة العربية المعاصر، محمد بدر سعد التميمى، الطبعة الأولى، 1422 هـ – 2001 م .
- العولمة المالية الاقتصاد السياسى لرأس المال الدولى، د. رمزى زكى، دار المستقبل العربى، القاهرة، ا لطبعة الأولى، 1999م .
- العولمة والهوية ودور الأديان، د. أحمد كمال أبو المجد، مجلة المسلم المعاصر، العدد (91) ، السنة الثالثة والعشرون.
- فخ العولمة ، بيتر مارتن وهارالدشومان، تقديم وترجمة د. عدنان عباس على، مراجعة د. رمزى زكى، سلسلة عالم المعرفة (295)، الكويت، 2003 م.
- كيف نواجه العولمة، د. أحمد طه خلف الله، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م .
- مجلة الفكر المعاصر، العدد (58) ، 1969 م.
- مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1999م.
- المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف، دار الاعتصام ، الدمام، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الثانية، 1399 هـ – 1979 م .
- المسلمون والعولمة، محمد قطب، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2000م .
- المسلمون والعولمة، د. يوسف القرضاوى، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م .
- مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون، دار الكتاب العربى ، بيروت، الطبعة الخامسة.
- مناخ العصر رؤية نقدية، سمير أمين، ضمن كتاب العولمة والتحولات المجتمعية فى الوطن العربى، مركز البحوث، الجمعية العربية لعلم الاجتماع، 1999م .
- مواجهة العولمة فى التعليم والثقافة، د. حامد عمار الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006 م .
- موسوعة الشباب للعلوم، ماذا أعرف، العولمة، فيليب موروديفاج، ترجمة كمال السيد، شركة الخدمات التعليمية، القاهرة، 1998 م .
- نحن والعولمة من يربى الآخر، سعد البازعى، بحث بعنوان المثقفون والعولمة والضرورة والضرر، كتاب المعرفة (7) ، الطبعة الأولى، 1420 هـ – 1999م .
- الوظيفة فى عالم بلا هوية تحديات العولمة، د. حسين كامل بهاء الدين، دار المعارف ، القاهرة، 2000م.
[1] ] العولمة السياسية انعكاستها، وكيفية التعامل معها، د. فضل الله محمد إسماعيل، بستان المعرفة، الطبعة الأولى، 1999، صـ9.
[2] ] المرجع السابق، صـ10 .
[3] ] المرجع السابق، صـ10 .
[4] ] نقلاً عن المرجع السابق، صـ12 .
[5] ] المرجع السابق، صـ13 .
[6] ) نحن والعولمة من يربى الآخر، بحث للأستاذ سعد البازعى بعنوان المثقفون والعولمة والضرورة، ضمن سلسلة المعرفة (7)، الطبعة الأولى 1420 هـ – 1999م، صـ73 .
[7] ) كيف نواجه العولمة، د. أحمد طه خلف الله، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م، صـ35، بتصرف.
[8] ) العولمة والإسلام والعرب، د. السيد أحمد فرج، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1424هـ – 2004م، صـ39.
[9] ) مناخ العصر رؤية نقدية، سمير أمين، ضمن كتاب العولمة والتحولات المجتمعية فى الوطن العربى، نشر مركز البحوث، الجمعية العربية لعلم الاجتماع، 1999م، صـ21.
[10] ) العولمة وتحديات العصر وانعكاساتها على المجتمع المصرى، د. بثينة حسنين عمارة، دار الأمين، الطبعة الأولى، 2000م، صـ22.
[11] ) المرجع السابق، صـ24 .
[12] ) العولمة والإسلام والعرب، مرجع سابق، صـ 40 – 41 .
[13] ) العولمة وتحديات العصر وانعكاساتها على المجتمع المصرى، مرجع سابق، صـ29 .
[14] ) الوطنية فى عالم بلا هوية: تحديات العولمة، د. حسين كامل بهاء الدين، دارالمعارف، 2000م، صـ 72 .
[15] ) العولمة، د. عبد الخالق عبد الله، عالم الفكر، أكتوبر 1999م، عدد 2 صـ81 .
[16] ) العولمة ودور جديد للدولة، د. هالة مصطفى، مجلة السياسة الدولية العدد 134، سنة 1998م، صـ47 .
[17] ) العولمة والتحولات المجتمعية فى الوطن العربى، تحرير د. عبد الباسط عبد المعطى، مكتبة مدبولى، القاهرة، الطبعة الأولى، 1999م، صـ 93.
[18] ) المرجع السابق، صـ 94
[19] ) العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، دار الكلمة، مصر، الطبعة الأولى، 2000م، صـ 16 .
[20] ) المسلمون والعولمة، د. يوسف القرضاوى، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م، صـ 46 .
[21] ) مجلة الفكر المعاصر، العدد 85 لسنة 1969م، صـ 27 .
[22] ) المسلمون والعولمة، محمد قطب، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2000م، صـ13.
[23] ) كيف نواجه العولمة، د. أحمد طه خلف الله، مرجع سابق، صـ 31 .
[24] ) العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، مرجع سابق، صـ 12 .
[25] ) مواجهة العولمة فى التعليم والثقافة، د. حامد عمار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006م، صـ 36 .
[26] ) العولمة والإسلام والعرب، مرجع سابق، صـ136.
[27] ) صحيفة الأهرام القاهرية، 21/5/1999م .
[28] ) العولمة فى ميزان الفكر: دراسة تحليلية، د. عاطف السيد، مطبعة الانتصار، الاسكندرية، 2001م، صـ 127 .
[29] ) موسوعة الشباب للعلوم: ماذا أعرف، العولمة، فيليب مورود يفارج، ترجمة كمال السيد، شركة الخدمات التعليمية، القاهرة، 1998، صـ 6.
[30] ) صناعة الغد بين العلم والخرافة، د.فتحى عبد الفتاح، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م، صـ41 .
[31] ) العولمة السياسية انعكاساتها وكيفية التعامل معها، مرجع سابق 23 بتصرف.
[32] ) المرجع السابق، صـ21 بتصرف، وانظر أيضاً: المدير وتحديات العولمة: إدارة جديدة لعالم جديد، د. أحمد سيد مصطفى، الطبعة الأولى، 2001م، صـ 36 .
[33] ) المدير وتحديات العولمة، مرجع سابق، صـ20 .
[34] ) العولمة السياسية وانعكاساتها وكيفية التعامل معها، مرجع سابق، صـ24 .
[35] ) المرجع السابق، صـ62 .
[36] ) المرجع السابق، صـ61 .
[37] ) الأهرام القاهرية، 19/3/1999م .
[38] ) الإسلام فى عصر العولمة، د. محمود حمدى زقزوق، الأهرام القاهرية، 7/5/1999م، 21/5/1999م .
[39] ) موسوعة الشباب للعلوم، مرجع سابق، صـ145 .
[40] ) ترجمة وتقديم: د. عدنان عباس على، ومراجعة د. رمزى زكى، سلسلة عالم المعرفة (295) ، الكويت، 2003م .
[41] ) المسلمون والعولمة ، د. يوسف القرضاوى، مرجع سابق، صـ 21.
[42] ) عالم منفلت: كيف تعيد العولمة صياغة حياتنا، أنتونى جيدنز ، ترجمة د. محمد محيى الدين، ميريت للنشر والمعلومات ، القاهرة، الطبعة الأولى، 2000م، صـ14 .
[43] ) العرب فى مواجهة العولمة، ضمن كتاب نحن و العولمة من يربى الآخر، مرجع سابق، صـ51 – 52.
[44] ) المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف، دار الاعتصام، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1399هـ – 1979م، صـ198.
[45] ) العولمة والإسلام والعرب، مرجع سابق، صـ142 .
[46] ) مواجهة العولمة فى التعليم والثقافة، مرجع سابق، صـ42 .
[47] ) المسلمون والعولمة، د. يوسف القرضاوى، مرجع سابق، صـ 24 .
[48] ) فخ العولمة، مرجع سابق، صـ 35 .
[49] ) العولمة ، مقال للدكتور جمال عطية، مجلة المسلم المعاصر، العدد 90، يناير 1999م، صـ 6 – 7 .
[50] ) العولمة المالية: الاقتصاد السياسى لرأس المال الدولى، د. رمزى زكى، دار المستقبل العربى، القاهرة، الطبعة الأولى، 1999م، صـ 85 .
[51] ) المسلمون والعولمة، محمد قطب، مرجع سابق، صـ 10 .
[52] ) ثورة المهمشين، برهان غليون، موقع الجزيرة نت، نوفمبر 2005 .
[53] ) مواجهة العولمة فى التعليم والثقافة، د. حامد عمار، صـ 37 .
[54] ) المسلمون والعولمة، د. يوسف القرضاوى، مرجع سابق، صـ 46 .
[55] ) المرجع السابق، صـ 56 .
[56] ) العولمة السياسية، انعكاساتها وكيفية التعامل معها، مرجع سابق، صـ114.
[57] ) العولمة وحرية الإعلام، د. سعيد بخيره، ظافر للطباعة، الزقازيق، 2000م، صـ 37 .
[58] ) حديث النهايات: فتوحات العولمة ومأزق الهوية، على حرب، المركز الثقافى العربى، المغرب، الطبعة الأولى، 2000م، صـ 17 .
[59] ) العولمة، كتاب إقرأ، رقم 636، صـ 11 .
[60] ) المرجع السابق، صـ 40 .
[61] ) العولمة، د. جمال الدين عطية، مرجع سابق، صـ 10 .
[62] ) العولمة والإسلام والغرب، مرجع سابق، صـ 145.
[63] ) مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1999م، صـ46.
[64] ) التقدم العلمى فى ظل العولمة والنموذج الإسلامى لتفاعل الحضارات، د. أحمد فؤاد باشا، مجلة المسلم المعاصر، العدد (95) ، السنة الرابعة والعشرون، صـ7.
[65] ) العولمة والهوية ودور الأديان، د. أحمد كمال أبو المجد، مجلة المسلم المعاصر، العدد (91) السنة الثالثة والعشرون، صـ9.
[66] ) الخروج من فخ العولمة، د. كمال الدين عبد الغنى المرسى، دار الوفاء الاسكندرية، الطبعة الأولى، 2005، صـ21.
[67] ) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمى، صمويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، الطبعة الثانية، 1999م، صـ433.
[68] ) مقدمة ابن خلدون ، عبد الرحمن بن خلدون، دار الكتاب العربى، بيروت، الطبعة الخامسة، صـ147 .
[69] ) العولمة وحرية الإعلام، د. سعيد نجيدة، ظافر للطباعة، الزقازيق، 2000م، صـ 38 .
[70] ) العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، مرجع سابق، صـ130 – 131.
[71] ) العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبى، مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236)، ربيع الأول 1424 هـ / مايو 2002م، صـ12 .
[72] ) العولمة وقضية الهوية الثقافية فى ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمى، الطبعة الأولى، 1422 هـ – 2001م، صـ 274 – 275 .
[73] ) العالم من منظور غربى، د. عبد الوهاب المسيرى، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، صـ 129 .
[74] ) العولمة وقضية الهوية الثقافية، مرجع سابق، صـ111.
[75] ) العرب والعولمة ، مركز دراسات الوحدة العربية، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية، تعقيب نبيل الدجاني، الطبعة الثانية، 1998م، صـ335 .
[76] ) تبسيط المفاهيم العصرية، العولمة، محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، صـ 22.
[77] ) التليفزيون والعولمة، د. محمد فتحى، كتاب الجمهورية، 2002م، صـ5.
[78] ) الصدام داخل الحضارات التفاهم بشأن الصراعات الثقافية ، دييتر سنغاس، ترجمة شوقى جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2009م، صـ167 .
[79] ) العولمة والهوية ودور الأديان، مرجع سابق، صـ 14 – 15 .
[80] ) العولمة والتجارة الالكترونية رؤية إسلامية، بهاء شاهين، مكتبة الفاروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2000 م، صـ 39 .